إلى جانب هذا من حاولوا المعارضة .. ثم تجد أمثال " الوليد " و "لبيد " و " الأعشى " و " كعب بن زهير " يذعنون لسمو معاني القرآن [الكريم] وبلاغته، وقد كانوا معدودين أساطين البلاغة في زمنهم .. ". وتؤثر روعة القرآن [الكريم] في نفوس العرب فيرفعون القصائد السبع المعلقات من حول الكعبة وهي خير ما جادت قرائح الشعراء العباقرة أمثال: " امرئ القيس "، و " طرفة بن العبد "، و " كعب بن زهير"، و" عمرو بن كلثوم "، خجلاً منهم وانفعالاً. كالذي زين البيت بقناديل الزيت، ثم سطعت من حولهن مصابيح الكهرباء القوية- على حد تعبير المؤلف.
وقد حاول أفذاذ من الأدباء بعد معارضة القرآن [الكريم] فلم يوفقوا، وذكر المؤلف عددًا منهم، ولعل أشهرهم " عبد الله بن المقفع " ... ثم استشهد المؤلف بآراء نخبة من أعلام الفرنجة النقاد، وكبار الأدباء في تقدير مزايا القرآن [الكريم] وأسرار إعجازه ... وينتقل المؤلف بعد ذلك إلى تشريح هذه المزايا، فيعد منها ثمانية وعشرين كرءوس أقلام، ثم يتناول وجوه الإعجاز على المحك، ويقارن بين " الشهنامة " الفارسية في امتيازها، والقرآن [الكريم] العربي في إعجازه على سبيل المثال ... ثم يذكر النظريات السبع للعلماء في وجه الإعجاز، وأهمها صدور القرآن [الكريم] من أمي، وبلاغته، وغرابة أسلوبه، وأنباؤه الغريبة الصادقة ... وحري بنا أن نذكر هنا مع تلك المزايا الإجمالية التي سردها المؤلف بعض أسرار الإعجاز في القرآن [الكريم]، ألا وهي:
1 - " فصاحة ألفاظه الجامعة لكل شرائطها.
2 - بلاغته بالمعنى الاصطلاحي المشهور، أي موافقة الكلام لمقتضى الحال، ومناسبة المقام، أو بلاغته الذوقية المعنوية.
3 - مسحة البداوة، أي عروبة العبارات الممثلة لسذاجة البداوة مع اشتمالها على بسائط الحضارة.
4 - توفر المحاسن الطبيعية فوق المحاسن البديعية.
5 - إيجاز بالغ حد الروعة بدون أن يخل بالمقصود ...
6 - إطناب غير ممل في متكرارته.
7 - سمو المعنى وعلو المرمى في قصد الكمال الأسمى.
8 - طلاوة أساليبه الفطرية ومقاطعه المبهجة وأوزانه المتنوعة.
9 - فواصله الحسنى وأسجاعه المطبوعة.
10 - أنباؤه الغيبية وأخباره عن كوامن الزمن وخفايا الأمور.
11 - أسرار علمية لم تهتد العقول إليها بعد عصر القرآن [الكريم] إلا بمعونة الأدوات الدقيقة والآلات الرقيقة المستحدثة ..
12 - تناوله لغوامض أحوال المجتمع، ولآداب أخلاقية تهذب الأفراد، وتصلح شئون العائلات ..
13 - احتواؤه على قوانين حكيمة في فقه تشريعي يفوق ما في التوراة والإنجيل وكتب الشرائع الأخرى ..
14 - سلامته عن التعارض والتناقض والاختلاف ..
15 - خلوصه من تنافر الحروف وتنافي المقاصد ..
16 - ظهوره على لسان بدوي أمي لم يعرف الدراسة، ولا ألف محاضرة العلماء، ولا جاب الممالك سائحًا مستكملاً ثقافته.
17 - طراوته في كل زمن، أي كونه غضًّا طريًّا كلما تلي وأينما تلي ... 18 - اشتماله على السهل الممتنع، الذي يعد في الشعر ملاك الإعجاز والتفوق النهائي ..
18 - طواعية عبارته لتحمل الوجوه وتشابه المعاني، في حدود الدقة الفقهية .. 20 - قصصه الحلوة وكشوفه التاريخية عن حوادث القرون الخالية.
19 - أمثاله الحسنى التي تجعل المعقول محسوسًا، وتجعل الغائب عن الذهن حاضرًا لديه.
20 - معارفه الإلهية كأحسن كتاب في علم اللاهوت، وكشف أسرار عالم الملكوت، وأوسع سفر عن مراحل المبدأ والمعاد.
21 - خطاباته البديعية وطرق إقناعه الفذة ..
22 - تعاليمه العسكرية ومناهجه في سبيل الصلح وقواعد الحرب.
23 - سلامته من الخرافات والأباطيل التي من شأنها إجهاز العلم عليها كلما تكاملت أصوله وفروعه.
24 - قوة الحجة وتفوق المنطق.
25 - اشتماله على الرموز في فواتح السور، ودهشة الفكر حولها وحول غيرها مما يبعثه على التساؤل.
26 - جذباته الروحية الخلابة للألباب، الساحرة للعقول، الفاتنة للنفوس.
ومما لا شك فيه أن الإعجاز القرآني – بعد كل ما ذكرنا- لا يتجلى في عصر أكثر ما يتجلى في عصرنا، بعد أن انتشرت مناهج البحث العلمي، والنقد التاريخي والأدبي.
فلا زال القرآن [الكريم] مع ما شهدته العصور الأخيرة من رقي أدبي وعلمي، يثبت في هيمنة رفيعة صفته الإعجازية ونسبته الإلهية المحيطة الشاملة، وإنه نسيج بياني وحده!!
¥