تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعني لو إنسانًا أصاب يد إنسانٍ خطأ، بحادث سير فرضاً، عشر مئين عسجد ذهب، ديتها ألف دينار ذهبي، ما بالها قطعت في ربع دينار؟، لو سرقت هذه اليد ربع دينار لقطعت، فأجاب الإمام الشافعي:

عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري

لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت، لذلك يوم طبقت بعض الدول الإسلامية قطع اليد فإنّ القصص التي تروى لا تصدق، هل يعقل أن يذهب صراف في موسم الحج ليصلي الأوقات الخمسة في المسجد، والأموال مكدسة في صندوقه على قارعة الطريق، وهو آمن عليها، نظام، بينما في بعض البلاد المتقدمة في كل ثلاثين ثانية ترتكب جريمة قتل، أو سرقة، أو اغتصاب، فحينما نضمن للناس ثمار أعمالهم يتقدم المجتمع، وحينما نسمح، أو نتغاضى، أو نتهاون في تطبيق العقوبات على من يعتدي على ثمار عمل الآخرين تضعف الحركة في الحياة، سميت الحالة الأولى نماءً اقتصاديٍّا، وسميت الحالة الثانية ركودًا اقتصاديًا، هذه الآية فيها توجيه دقيق جداً، توجيه اقتصادي لمجموع المسلمين، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ].

وبالمناسبة: [لاَ تَأْكُلُوا]، كما قلت في الدرس الماضي: قد يسكن الإنسان بيتًا طوال عمره، وقد يبقى على ثوب واحد لأشهر عديدة، أما الأكل فكل يوم، وأبرز عمل للإنسان أنه يأكل، حتى من تعريفات الإنسان أنه كائن فاتح فمه ليأكل، فالأكل هنا نشاط يومي، وثمة أشخاص كلما تحركوا أكلوا أموال الناس بالباطل، يكذبون، ويدلسون، ويغشون، وكأن الله سبحانه وتعالى ذكر كلمة لا تأكلوا لأن الأكل نشاط يومي، وهناك من يجعل نشاطه اليومي أكل أموال الناس بالباطل، بالباطل، أي بطريقة لا معاوضة فيها، ذكرت قبل قليل المبدأ العميق جداً لجمع كل ألوان المال الحرام، قمار، يانصيب، تدليس، غش، سرقة، ربا، كل شيءٍ حرمه الله في كسب المال ينطلق من منفعة بنيت على ضرر، منفعة نالها إنسان بنيت على ضرر، أوضح شيء السارق، السارق انتفع، سرق مئة ألف، لكن ما تعب في كسبها، بنيت على أن ثمرة إنسان آخر ذهبت سدى، الإنسان الآخر بحاجة إلى المئة ألف، قد يشتري بها حاجات العام، قد ينفقها على أشهر عدة، الآن وكل كسب يبنى على منافع متبادلة فهو كسب حلال، فالتاجر يسافر، ويشتري، ويشحن، ويضمن الخسارة، ويتحمل أعباء السفر، وأعباء تخليص البضاعة، ثم بيع البضاعة، ثم جمع ثمنها، هذا جهد كبير مع ضمان، جهد مع ضمان له أن يربح، هذا الربح الذي يأكل التاجر ليس بالباطل، بالحق، لكن لو غش فقد أكل بالباطل، لو أوهمك أن هذا القماش فرنسي، وهو من مصدر آسيوي رخيص، وصدقت أنت، فدفعت له ثمن القماش الفرنسي، بينما أعطيته قماشًا رخيصًا، اعتديت عليه، فأكلت ماله بالباطل، كل إنسان غشاش يأكل أموال الناس بالباطل، أحياناً لعرض البضاعة يوهمك أن هذا اللحم طازج، يضع ضوءًا أحمر يعطي اللحم الأبيض لونًا زهريًا كأنه طازج، أحياناً عرض البضاعة فيه غش، أحياناً الأوصاف التي يصفها البائع فيها غش، كل أنواع الغش، أكل أموال الناس بالباطل، الربا أكل أموال الناس بالباطل، القمار أكل أموال الناس بالباطل، اليانصيب أكل أموال الناس بالباطل، شركات التأمين تأخذ منك مبلغاً صغيراً دون أن تعطيك شيئاً إذا سلمت من حادث، أكل أموال الناس بالباطل، إذا بنيت منفعة على ضرر فهو مال حرام، أما إذا بينت منفعة على منفعة، كمن معه مال لا يحسن استثماره، فأعطاه لشاب مؤمن مهندس فاستثمره، والربح بينهما، صاحب المال في أعلى درجة من الراحة، لأنه استثمر ماله، وعاد إليه منه نفع كبير، والشاب المتقد حيوية، والذي لا يملك مالا اشتغل بهذا المال، فربح، وأعطى صاحب المال نصيبه، إذاً كمبدأ عام حينما تكون المنافع متبادلة فالمال حلال، وحينما تكون المنافع مبنية على الضرر فالمال حرام، مبدأ عام ....

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير