تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الربا ولم يأكلوه ولو تاجروا به ولم يضعوه في بطونهم كل ل ذلك محرّم، فلا فرق بين أن يجمع الربا وبين أن يؤكل وبين أن يُتجر به كله واحد لكن لما كان المقصود الأعظم من التجارة هو طلب الأكل ذكر الأكل ومثلها في قول الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) النساء) فذكر أعظم وأكثر ما يقع من الناس وإلا في الحقيقة بعض الذين يعتدون على أموال اليتامى قد لا يأكلونها وإنما يضيعونها أو يتجرون بها أو يضعونها في شيء لا يؤكل. (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) أي لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، يعني يقومون كالمجانين يوم القيامة يعرفون في أهل الموقف فهم في يوم القيامة يخبطون كما يفعل الممسوس. ما سر ذلك؟ هذه أولاً عقوبة من الله يميزهم به عن أهل الموقف جميعاً ففي يوم القيامة تعرف المرابين بأنهم يقومون ويُصرعون كالمجانين. ما سر ذلك؟ سر ذلك أنهم كانوا كالمجانين في الدنيا في طلب المال وتحصيله فهو لا يبالي تجده ملهوفاً مذهولاً عندما يطلب شيئاً من الدنيا، عندما يرابي. ولاحظوهم في أسواق البورصة العالمية ترى الناس وهم يتاجرون مذهولين من شدة الذهول الذي هم فيه، هذا الُسكر سُكر الدنيا يبتلى عليه هؤلاء يوم القيامة بأن يجازوا بجزاء بمثل ما قاموا به الجزاء من جنس العمل فيأتون يوم القيامة يتخبطون سكارى كما كانوا سكارى في الدنيا من شدة طلبهم للمال. فإن من أعظم آفات الربا أن يتعلق قلب الإنسان بالمال وألا يرحم الضعفاء وأن لا يكون همّ في تجارته وجمعه للمال إلا كيف ينمي المال بالمال بغض النظر عن دوران المال وإغناء الفقراء وانتفاع الناس وتنمية المجتمع، هذه لا تهم المرابي في قليل ولا كثير يهمه أن ينمو المال ويزداد، نما بخير أو بشر، انتفع الناس أو لم ينتفعوا، استفاد الناس أم لم يستفيدوا، مُحِق الناس أو ما محقوا، هذا شيء لا يعنيه من قريب ولا بعيد. فلما كانوا سكارى كذلك الله جل وعلا يبتليهم يوم القيامة فيجعلهم كذلك كالسكارى. يقول الله عز وجل (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وهذا من المبالغة كونهم استحلوا الربا حتى جعلوا البيع مشبّهاً به من شدة حلِّه عندهم وهذا من مناقضتهم للعقل أو مضادتهم للشرع والعقل. كيف يقال البيع الذي فيه تبادل ورحمة وفيه رفق بالناس وفيه تنمية للمال بالطرق المشروعة إن هذا الربا الظلم الذي هو من أشد الأشياء إجحافاً بحقوق العباد مثله؟ أو البيع مثله من شدة حليّته عندهم يجعلون البيع مثله. يقول الله عز وجل (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) أي هذا الجزاء الذي يوضع لهم يوم القيامة بسبب أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا. قال الله تعالى رداً عليهم (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فكيف تساوون بين ما أحله الله وبين ما حرّمه الله. (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ) أي ما ذهب من رباه الأول قبل أن تأتيه هذه الموعظة فإن الله يعفو عنه ولا يؤاخذه به ولا يقال طهر مالك منه وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى أن من جاءته الموعظة فإن الله يعفو عما سلف ولا يقال له طهر مالك مما أخذت من الربا من أموال الناس. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع " ألا وإن أول ربا أضعه من ربانا ربا عمي العباس" فالربا الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة يعني أنه لا يؤاخذ العباس بما قبله من ربا، كل ما أخذه قبل هذه الكلمة فهو له ولكن لا يحل له أن ياخذ شيئاً بعد هذه الكلمة، هذا هو المقصود. قال الله عز وجل (وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ومن عاد بعد أن جاءته الموعظة فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وهذا يدلنا إلى أن من علم حكم الله في أمر فهو مؤاخذ وغير معفو عنه إلا أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وعليه أن يرد ما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير