تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قَالَ إِبْرَاهِيمُ) أي واذكر يا محمد إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً. والذي يظهر والله أعلم أن هذا الدعاء كان بعد أن بنى إبراهيم البيت وبعد أن كبر إسماعيل عليه الصلاة والسلام بخلاف الدعاء الذي كان في سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)) ولذلك نكّر (بلداً) في سورة البقرة وعرّفها في هذه السورة لأن هذا البلد صار موجوداً ولذلك قال (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا) فدعا الله سبحانه وتعالى أن يجعله آمناً ما يقصده جبار بسوء إلا قصمه الله. ولذلك أبرهة لما قدم إلى البيت يريد أن يفسده وأن يهدمه قصمه الله سبحانه وتعالى وأرسل عليه الطير الأبابيل فجعله الله عز وجل آمناً وأمر بأن يأمن وأن يؤمّن (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا (97) آل عمران) لذلك لا ينفر فيه الصيد ولا يصطاد لأنه إذا دخل الصيد فيه دخل في هذا الحكم وهو أن يكون آمناً. (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع قربه من ربه وكونه إمام الحنفاء واب الأنبياء إلا أنه لا يدع الدعاء. بل إني لا أعلم في القرآن نبياً ذكرت أدعيته كما ذكرت عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويكاد ذلك يكون مضطرداً في سائر المواطن التي ذكر فيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما من موطن إلا وتجد له فيه دعاء أودعاءين أو عدداً من الدعوات. وهنا قال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) إجعله آمناً ليقرّ من فيه وليكون الأمن سبباً لأن يعبدوك ويوحّدوك ولا يشركوا معك أحداً سواك. ولذلك قال بعدها (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) وهذا يدعونا لأن نتذكر أن من أعظم أسباب وقوع الخوف وأعظم اسباب حصول المكروه في الأمن هو أن لا يعبد الناس ربهم سبحانه وتعالى وألا يفردوه بالعبادة وهذا ما حصل للمسلمين في هذه العصور الأخيرة لما اختل أمر الشرك فيهم بمعنى أنه دخل عليهم الشرك واختل أمر التوحيد دخل عليهم الخوف ولن يعود إليهم الأمن حتى يعيدوا هذا التوحيد ويكونوا على الجادة التي كان عليها إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليها سائر الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على نهجهم. وهذا أمر في غاية الدقة والخطورة كما قال الله عز وجل (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) الأنعام) بظلم أي بشِرك، فمتى أخللنا بالتوحيد جاءنا الخوف ومتى حققنا التوحيد جاءنا الأمن بإذن الله عز وجل. الأمن في الدنيا والأمن في الآخرة. ثم قال إبراهيم (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) ماذا نستفيد من هذا؟ نستفيد أن إبراهيم على جلالة قدره وعلو منزلته وقربه من ربه سبحانه وتعالى يخاف على نفسه من عبادة الأصنام فيقول (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) وهل المراد ببنيه جميع ذريته أو المراد من بنيه الذين من صُلبه؟ الذي يظهر أن المراد هنا هم من كان من صلبه فقد وقاهم الله سبحانه وتعالى أن يعبدوا الأصنام بل كان الذين من صلبه أنبياء أخيار من خيرة عباد الله وهم إسماعيل وإسحق. قال (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ) أي هذه الأصنام أضلت كثيراً من الناس واليوم هذه الأصنام لا تزال تضل كثيراً من الناس وما يزال كثير من الناس يخضع لها ففي الهند وحدها يعبد من الآلهة ملايين كل ما يُخاف وكل ما يُرجى وكل ما يُحب وكل ما يُطمع يُعبد حتى فرج المرأة وذكر الرجل يُعبد من دون الله عز وجل وهكذا في سائر أمم الأرض إلا من وقاهم الله وجنبهم عبادة الأصنام فإنهم قد ضلوا بعبادة هذه الأصنام. قال (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أي من عصاني فأشرك وعبد الأصنام فإنك غفور رحيم وليس في هذا بيان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير