تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لطلب إبراهيم بأن يشفع لهم ولكن بيان لتمام مشيئة الله وأنه يتصرف في عباده كيف يشاء. قال الله عز وجل (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) يقول لربه سبحانه وتعالى مناجياً ومخاطباً وداعياً إني أسكنت من ذريتي أي من أولادي لأنه لم يذكر كل ذريته وإنما أسكن هاجر التي أهدتها له سارة وولدها إسماعيل قال (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) يعني الوادي الذي فيه البيت الحرام وادي مكة. (عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) هذا البيت الذي جعله الله سبحانه وتعالى محرّماً فلا يحل فيه الصيد ولا القتل ولا القتال هذا البيت المعظم المشرّف. قال (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ) أي جعله الله محرّماً من أجل أن يقيموا فيه الصلاة أي من أجل أن يكون محلاً للعبادة. ولما كانت العبادة شيئاً كثيراً ذكر الله عز وجل أعلاها وأجلّها وهي إقامة الصلاة فقال (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) انظروا كيف جاء الدعاء قال (أفئدة من الناس) ولم يقل أفئدة الناس لأنه لو قال أفئدة الناس لغالبنا على البيت كما قال ابن عباس فرس والروم وجميع أمم الأرض ولكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال أفئدة من الناس وهي افئدة المؤمنين فهؤلاء تهوي قلوبهم وتأوي وتشتاق أشد الشوق لبيت الله الحرام وهذا شيء شاهدناه ورأيناه في عباد الله، رأينا كيف أن المسلم منذ أن يفتح عينيه على الدنيا وهو يشتاق إلى بيت الله وذلك إجابة لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فما زالت دعواه مباركة وما زالت إلى اليوم. والعجيب أن هذه الآيات جاءت بعد قول الله عز وجل (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24)) ما هي الكلمة الطيبة؟ قيل لا إله إلا الله وقيل كل كلمة طيبة أصلها ثلبت وفرعها في السماء وكذلك كلمة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فالناس في كل زمان وفي كل مكان ومن ذاك العصر إلى اليوم وهم يتفيئون ظلال وبركة دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قال الله عز وجل (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) أي إجعل هذا البيت آمناً ليقيموا الصلاة واجعله محرّماً ليقيموا الصلاة وارزقهم من الثمرات لعلهم أن يعبدوك ويتفرغوا لعبادتك ومكة من بين بلاد الله من سائر الأزمان ترزق من الثمرات بما لا يرزق بها غيرها. فتجد فيها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء وتجلب لها الخيرات من كل أصقاع الأرض وتأتي مع الحجيج من كل مكان وهي أرض جرداء لا زرع فيها ولا ماء ولكن الله سبحانه وتعالى بفضله ومنّه وكرمه وإجابته لدعوة خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد جلب لها الأرزاق وهيأ لها الأمور. ثم قال الله عز وجل (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ) يعني إني لم أقصد بهذا الدعاء إلا وجهك ولا أريد إلا الخير لبيتك وحرمك ولقطان هذا الحرم ولمن وحدوك قال (وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) انظروا كيف يخلط إبراهيم في دعائه الثناء على ربه والاعتراف له والانطراح بين يديه والخضوع التام له جل جلاله. قال (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء) كأنه يقول إسمع دعائي وأجبني يا رب كما سمعت دعائي الأول وأجبتني إليه عندما دعوتك أن ترزقني بالذرية فرزقتني بإسماعيل وإسحق على كبر من سني، رزق إسماعيل وعمره 99 ورزق إسحق وعمره 112 عاماً. قال الله عز وجل (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) ختم بإقامة الصلاة لأن إقامة الصلاة هو عنوان العبودية قال النبي صلى الله عليه وسلم "الصلاة خير موضوع فمستقلٌّ ومستكثر" اي خير شيء وضعه الله. (وَمِن ذُرِّيَّتِي) قال بعض العلماء هذه للتبعيض أي من ذريتي من يقيم الصلاة لأنه قد علم أن بعضهم يكفرون ومنهم من قال أن (من) هنا بيانية أي واجعل ذريتي كذلك. (رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) هذا فيه مشروعية أن يقول الإنسان اللهم تقبل دعائي في ختام دعائه. ثم يختم بالاستغفار (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) ودعا لوالديه قبل أن يُنهى عن الدعاء لأبيه فإنه لما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. قال (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) أيضاً فيه مشروعية الدعاء للمؤمنين ومشروعية إذا دعا الإنسان أن يدعو لنفسه أولاً ثم لوالديه ثم للمؤمنين يوم يقوم الحساب. أسأل الله أن ينفعني وإياكم بكلامه وكتابه وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير