تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) العلق) أي إن الإنسان بغير هذا العلم وغير علم الله عز وجل لا عقل له حقيقة يعقل به حقيقة الحياة ويقيس به المقاييس الصحيحة يعرف به قيمة المال ويعرف به قيمة التعامل مع البشر ويعلم به قيمة وجوده في هذه الحياة. فإذا كان بلا علم صحيح فإنه سيرى نفسه أنه على شيء وهو ليس على شيء (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7)) رآه أي رأى نفسه أنه استغنى ولا يمكن أن يستغني.

د. الخضيري: بالفعل كما ذكرت متى رأى الإنسان نفسه أنه استغنى فقد ولج باب الطغيان، متى رأيت في نفسك أنك غني عن الله عز وجل وأنه لا حاجة لك بالله وأن ما عندك من مال وعرَض وما عندك من نفوذ وخدم أن هذا كاف في حياتك، هنا تدخل الطغيان شئت أم أبيت. وهنا نقول يجب على المسلم أن يستشعر دائماً وأبداً أنه مفتقر إلى الله وأن كل هذا المتاع الذي بين يديه لن يغنيه عن الله طرفة عين. ولذلك نقول الآية جاءت بقوله (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7)) يعني رأى نفسه قد استغنى أما إذا لم ير نفسه قد استغنى فإنه لا يضره الغني بإذن الله عز وجل فقد يكون الإنسان غنياً بماله عنده مال وعنده دنيا واسعة لكنه لا يستغني عن الله طرفة عين ولا يرى هذا المال شيئاً فهو مفتقر إلى ربه سبحانه وتعالى فهذا لا يجعله يطغى. ولذلك نقول أن هذا يدلنا على موضوع آخر وهو الزهد. الزهد ليس هو عدم كثرة المال في اليد بل قد يكون الإنسان من أكثر الناس مالاً وهو أزهد الناس إن لم تكن الدنيا في قلبه لم يتعلق بها ولم يركن إليها ولم يعتدّ بها ويرى أنها تصنع له كل شيء، هذا الرجل قد يكون زاهداً مع أن الدنيا في يده يسكن قصراً ويركب سيارة فارهة وعنده خدم وحشم لكنه لا يطغى.

د. الربيعة: لا يطغى لأنه لا يرى أن هذه هي حياته. ولو أننا ضربنا نموذجاً لهذا الطغيان الذي يبعث الناس إلى الاستغناء نضرب مثل الرجل الذي نزلت فيه هذه الآيات وهو أبو جهل. انظر وتأمل الآيات الأولى من السورة ترمز إلى اشرف الناس وهو الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أُنزل عليه هذا الوحي فشرف به فكان أشرف عالِم.

د. الخضيري: عندما قيل له إقرأ فقرأ أما أبو جهل لما قيل له إقرأ لم يقرأ ولم يؤمن بل تحول إلى ما ذكره الله عز وجل في هذه الآيات (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ?9? عَبْدًا إِذَا صَلَّى ?10? أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى ?11? أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ?12? أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ?13? العلق) وصفه الله بصفات كثيرة جداً وبين أنه صار في صف من يصدون الناس عن الدعوة ومن يقومون بإيذاء الدعاة ومن يحاربون الرسل والرسالات وكل ذلك جهلاً منه وكل ذلك استكباراً منه وكل ذلك لأنه كما مر بنا نسي الرجعى إلى الله عز وجل ونسي الدار الآخرة وهذه قضية في غاية الأهمية وهي أننا متى نسينا الآخرة ونسينا الجنة والنار ونسي البعث والجزاء والحساب حصل منا ما حصل من هذا الرجل الذي ذكر الله عز وجل صفته في هذه الآيات.

د. الربيعة: إن أعظم ما يمنع الإنسان من الطغيان في ماله وفي جاهه وفيما آتاه الله هو أن يعلم أنه منتقل إلى الله وأنه راجع إلى الله وأنه له أجل سينتهي له وأنه سيموت وأن هذا الجاه وهذا الشرف وهذه الدنيا التي جعلت الإنسان يطغى ستنتهي وأن إلى ربك الرجعى وأنك راجع إلى الله. والإنسان إذا تذكر ورأى نفسه في هذه الدنيا وأعطاه الله لكنه تذكر أنه إلى الله صائر وأنه إلى الله راجع فإن هذا أعظم ما يبعثه على الإتزان في الحياة وأنه يعرف حقيقة هذا المال ولا يطغى به هذا المال إنما أوتي من أوتي من قِبَل ماله بنسيان الآخرة وطغيانه بماله، يبطر بالنعمة فيتباهى على خلق الله عز وجل ونسي أمر الله عز وجل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير