يتحدث فالعالِم جاء إليه وقال يا أيها الشيخ أريد أن أقرأ عليك شيئاً من القرآن فقرأ عليه سورة قريش فقال إقرأ فقال العالِم سورة قريش فقال (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا هذا البيت) فقال الشيخ لا، (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) قال العالِم ليست الاية هكذا با فليعبدوا هذا البيت، ألست تقول يا كعبة الله وتستغيث بها؟ فتفطّن هذا الشيخ فلما جاء في مجلسه القادم قال للناس إني كنت اقول يا كعبة الله وأناديها وأستغيث بها ولكن الحق يقال أن هذا خطأ والمفروض أن أنادي الله سبحانه وتعالى وقد أنقذني الله بهذا الرجل.
د. الربيعة: لعل هذه القصة تجرنا وإن كان الحديث في غير سياق السورة إلى أولئك الذين يدعون غير الله ويتوسلون بأصحاب القبور، ألا يدعون ربهم عز وجل؟ ألا يتوجهون إلى الله مباشرة؟!. والله إن هذا لهو الحق. ختم الله تعالى هذه السورة بقوله (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)
د. الخضيري: يعني مقابل هذا الإطعام وهذا الأمن يجب أن تكون هناك عبادة وهذا يدلنا على عِظم هاتين النعمتين أن يبيت الإنسان وقد أمِن وامتلأ بطنه. هناك أمنان أمن داخلي فيه ما يقيه من شر الجوع وأمن ظاهري وهو أشد وأعظم وهو أن يكون آمنا من السُرّاق ومن الضربات وهجمات الأعداء فيجب الإنسان أن يستحضر الإنسان هاتين النعمتين نعمة الطعام ونعمة الأمن فهما من أجلّ نعم الله تعالى على الإنسان. وهذا ما تحقق لأهل مكة فإنهم كانوا آمنين فلا يخافون أن أحداً من العرب يهجم عليهم لأنهم في حرم الله وكان الرزق يأتيهم من كل مكان عندهم رحلة في الشتاء ورحلة في الصيف وكما قال الله تعالى في سورة النحل (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112))
د. الربيعة: مثال ليُعرف فعلاً قدر نعمة الله بإطعام الإنسان وبكفايته وأن حق ذلك العبادة. تصور لو أن إنساناً يعمل عاملاً وجاء إلى سيده فأعطاه راتبه أو أطعمه وأسقاه ثم ذهب يعمل عند غيره!
د. الخضيري: لا شك أن هذا الرجل سيحنث عليه حنثاً شديداً، أنا الذي أُطعمك وأنا الذي أسقيك وأنا الذي أغنيتك وأنا الذي أصرف لك راتباً وفي النهاية تجعل خدمتك وطاعتك وعبوديتك لغيري؟! لا شك أنه سيكون ظالماً وسيكون مستحقاً للعقوبة الشديدة الرادعة له ولأمثاله.
د. الربيعة: ختام الآية في قوله (وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)
د. الخضيري: هذه فيها تقرير نعمة الأمن والله إنها من أعظم من الأمن ولا يعرف ذلك إلا من جرّبها. لا زلت أذكر أني لم أستشعر نعمة الأمن في لحظة من حياتي مثلما استشعرتها في الليالي التي كانت تُضرب فيها مدينة الرياض التي كنت أسكنها أيام حرب الخليج. فكنا غذا أردنا أن ننام أصبنا الخوف لأنه ستُرسل صواريخ وأن هذه الصواريخ قد تقع على بيتك أو على بيت مجاور فتهز بيتك وتؤذيك وتقلقك، فكان الناس يبيتون في خوف عظيم وخصوصاً إذا سمعنا صفارة الإنذار، والله إن هذا يذكّرنا بعظيم نعمة الأمن في بلادنا وهذه النعمة علينا أن نتذكرها وأن نحمد الله عليها ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا أصول النعم "من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا" إذا وجد لك الأمن والصحة والقوت الذي تقي نفسه به من الجوع فكأنك ملكت الدنيا يعني أن ما وراء ذلك من الدنيا هو فضل وزيادة ولا يضرك ما فاتك. فعلينا أن نحترم هذه النعم وأن نقدّرها وأن نشكر الله سبحانه وتعالى عليها ونسعى في حفظها. وهنا يأتي السؤال: كيف نسعى في حفظ هذه النعم التي أنعم الله تعالى بها علينا؟
د. الربيعة: لعل هذا جوابه صريحاً في هذه السورة العظيمة (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) أن نحقق لله حقه وهو العبادة، أن نشكره (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا (13) سبأ) فما آتاك الله من نعمة استخدمها في طاعة الله، آتاك الله عز وجل بيتاً استخدمه في طاعة الله ولا تضع فيه ما لا يرضي الله، آتاك الله سيارة لا تصرفها في طريق لا يرضي الله ولا تضع فيها ما يُغضب الله، آتاك الله زوجة وأولاداً فينبغي أن تجعلهم حماة لهذا الدين وأن تعلمهم وأن ترشدهم وتدلهم على الخير ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وإذا آتاك الله رغداً في العيش ورزقاً وافراً فينبغي أن يكون ذلك دافعاً لك في أن يزيد عملك الصالح ولا تبطر هذه النعمة فتجعل هذه النعمة سبباً في كبرياء وبطر على عباد الله كما قال الله عز وجل (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7) العلق) هذه من أعظم الآفات في الإنسان أنه إذا اغتنى، أغناه الله بطر. هذه الصفة نجدها كثيراً في أولئك الناس الذين يمكّن الله عز وجل لهم في المال فيصرفونه في الحرام والصد على سبيل الله وفي البطر والكبرياء. أقول هذا السؤال العظيم حقاً يجب أن نقف معه وقفات لكي نستشعر ما آتانا الله عز وجل من الخير والنعمة.
د. الخضيري: كثير من الناس الآن لما أفاء الله عليهم بالنعم مع كل أسف وأكثر الله لهم من الخيرات صاروا يبذرون وصاروا يسرفون وترى الآن في الأفراح والأعراس ماذا يحصل بالنعم؟ توضع في القمامات في وقت هناك من المسلمين من هو محتاج ومن يمر به اليوم واليومين والثلاثة ولا يجد قوته وآخرون يأكلون الطعام وهم يأنفون منه ثم إذا انتهوا منه رموه في أي مكان، فوالله هذا لا يليق بنا نحن معاشر المسلمين. علينا أن نشكر الله وعلينا أن نتقي الله سبحانه وتعالى.
د. الربيعة: هذه السورة العظيمة سورة قريش تعطينا معنى هو أننا نقدّر ما آتانا الله من النِعم نعمة الحسب والنسب ونعمة المال ونعمة الصحة والأمن والطعام والشراب ليكون ذلك دافعاً لنا لعبادة الله حق عبادته وشكر الله حق شكره. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن أدّى نعمة الله عز وجل وشكره حق شكره، لنا معكم بإذن الله لقاء آخر، نستودعكم الله وإلى اللقاء وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
¥