د. الخضيري: يعني لا يصيبك اليأس والقنوط أو تصاب بحالة من الاكتئاب بسبب كلمة ألقيت عليك.
د. الربيعة: أعطاك الله الإسلام والهداية واللغة وأكرمك أن جعلك من عباده.
د. الخضيري: كنت مرة في أمريكا فكان عندي مجموعة من الطلاب أدرسهم قصار المفصل وبعض السور التي يحتاجونها لما رأيتهم يعانون عناء شديداً من نطق الحروف العربية في اول ايام تعليمهم، فقلت لهم بكم تشتري لساني هذا؟ قال أحدهم أنا أشتريه بكل ما أملك وقال الثاني أنا اشتريه بالدنيا وما عليه، وقال الثالث يا شيخ إتق الله هذا اللسان ليس له مثال في الدنيا فقلت والله إن هذا لخير كثير من الله سبحانه وتعالى أعطانا إياه قبل أن نسأله إياه وهذا من فضل الله علينا. واليوم أقول لإخواني قد زهد الناس بهذا اللسان وصاروا يتعلمون لغة الأعاجم ويدعون اللغة العربية لا يتعلمونها وهم من أهلها مع الأسف وهي لغة القرآن.
د. الربيعة: لو تأملنا في السورة يقول الله عز وجل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) هذا افتتاح عظيم فيه معاني عظيمة هل يمكن أن يفتح الله عليك بمعنى من المعاني في هذا الافتتاح؟
د. الخضيري: لا شك أن في قوله (إنا) تعظيم لهذا الذي أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله ما نسبه إلى نفسه إلا وهو عظيم عنده. فالله قد أعطى رسوله هذا القرآن فهو عظيم فمن أخذ بالقرآن أخذ بشيء عظيم. وكذلك أعطاه هذا الدين وهو عظيم ومن أخذ بهذا الدين فقد أخذ شيء عظيم.
د. الربيعة: إذن الآية فيها عِظم المُعطي والمُعطى والعطاء. المُعطي الله سبحانه وتعالى والمعطَى النبي صلى الله عليه وسلم والعطاء هو الخير
د. الخضري: هذا الخير الذي أوّله الوحي وآخره شرائع الإسلام وهذه السنن وهذه الشرائع التي جعلها الله عز وجل رحمة للعالمين.
د. الربيعة: ومن هذا العطاء ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم أن الكوثر هو نهر أعطانيه الله عز وجل في الجنة لأنه خُصّ به النبي عليه الصلاة والسلام.
د. الخضيري: لعلنا ننتقل إلى قول الله عز وجل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ). كما في سورة قريش لما ذكر الله عز وجل النعم على أهل مكة قال (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3)) وهنا لما ذكر الله العطاء العظيم لرسول صلى الله عليه وسلم قال يا محمد قابل هذا العطاء بأن تصلي لربك وتنحر. (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) صلِّ له مخلصاً له الدين وانحر. وعندي في هذا وقفات. الأولى كيف بدأ بالصلاة؟ لأنها أجلّ الأعمال وأعظمها قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة خير موضوع فمستقل ومستكثر" وأنا أقول عظِّموا هذه الصلاة واعتنوا بها وأقيموها فأنه لم يؤمر بها في القرآن إلا على وجه الإقامة (أقيموا الصلاة، المقيمين الصلاة، أقاموا الصلاة).
د. الربيعة: وأيضاً في سر الأمر بالصلاة والله أعلم أنه لما كانت السورة نازلة في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الاستهزاء الذي استهزأ به المشركون كانت الصلاة أعظم من تصله بربه وتُذهب همه فإذا أصابك هم إفزع إلى الصلاة وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. فهي مناسبة في حال إذا أصاب المسلم هم أو غم أو فزع أو ضاقت به الدنيا
د. الخضيري: وأيضاً الصلاة فيها ميزة عظيمة جداً وهي أن البدن كله يتحرك بها القلب يخشع اللسان يذكر العين تنظر إلى موضع السجدة اليد تقبض على بعضها أو توضع على الركبتين، الجبهة والأنف تخضع لله عز وجل وتمرغ بالتراب بين يدي الله جل وعلا. إذن هي عنوان العبودية ولذلك بدأ الله بها. يأتي السؤال ما علاقة النحر؟ كإنها مثل الزكاة عندما يقرن الله عز وجل الصلاة بالزكاة في كثير من المواطن هنا قرن الله الصلاة بالنحر أولاً تحقيقاً للعبودية والتوحيد وهذا من الجوانب التي أخل بها المشركون فكانوا يذبحون لأصنامهم وآلهتهم شركاً والعياذ بالله.
د. الربيعة: لعل هذا فيه إشارة إلى الاستخفاف بهم أولئك يذبحون للأصنام والأحجار وأنت يا محمد تذبح لربك.
¥