د. الخضيري: سبق وقلنا في سورة الكافرون أن اسمها سورة الإخلاص لكن بيّنا أن الإخلاص في تلك السورة هو إخلاص في العمل وهذه إخلاص في الاعتقاد وبهذا نعلم أن الإخلاص قسمان وعلى الإنسان أن يتقي الله سبحانه وتعالى في امتثالهما والقيام بهما. أولاً يُخلص في اعتقاده ومعرفته بالله فهو يعلم أن الله واحد في ذاته واحد في أسمائه وصفاته، واحد في ألوهيته، واحد في ربوبيته، واحد سبحانه وتعالى لا مثيل له ولا ند ولا شبيه ولا نظير جل وعلا. فإذا امتلأ قلبه بذلك إنتقل إلى شيء آخر حقق ذلك في العبادة فلم يعبد مع الله أحداً سواه. ولذلك نلاحظ أن القارئ أو أن الشارع شرع لنا أن نقرأ هاتين السورتين في موطن واحد فنحن نقرأ سورة الكافرون وسورة الإخلاص في ركعتي الفجر وفي ركعتي المغرب وفي الوتر ونقرأهما عند النوم ونقرأهما في ركعتي الطواف. وهنا أشير إلى سر جميل ذكره ابن هبيرة رحمه الله تعالى سأل أصحابه ما الحكمة من كون الإنسان يقرأ في ركعتي ما بعد الطواف عند مقام إبراهيم سورة الكافرون والإخلاص؟ فتأمولا ولم يجدوا شيئاً فقال لقد وجدت أن الإنسان إذا طاف بالبيت قد يقع في ظنه أنه يعظِّم هذا البيت ويعبد هذا البيت فقيل له إقرأ ما يحقق لك الإخلاص. وأن طوافك هذا طاعة لله وامتثال لأمر الله وإنه لولا أن الله أمرنا بذلك لم نفعل ذلك.
د. الربيعة: وأيضاً شرع النبي صلى الله عليه وسلم قرآءتها أدبار الصلوات وهذا يجعلنا نتساءل ما سر ذلك؟ قرآتها مع المعوذتين وآية الكرسي؟
د. الخضيري: هذا لتجديد التوحيد فنحن نجدد توحيدنا في كل حال. وبهذه المناسبة أحب أن اذكر بحديث عظيم رواه الحاكم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم" فالتوحيد هو حقيقة الإيمان. فأنت عندما تسأل الله سبحانه وتعالى أن يجدد الإيمان في قلبك يعني أن يجدد التوحيد في قلبك. فتتعلق بالله ولا تنظر لأحد سوى الله ويعظم الله في قلبك فلا يكون هناك مزاحم لله جل وعلا لا دنيا ولا مال ولا بنين ولا غير ذلك مما يقربه الناس ويتوكلون عليه ويحبونه أو يرجونه نسأل الله العافية والسلامة.
د. الربيعة: تأمل إسم السورة، هل ورد فيها؟ ما ورد في ألفاظها، الإخلاص. هذا يجعلنا نقول حقاً إنها سورة الإخلاص ولهذا فهي تعدل ثلث القرآن؟
د. الخضيري: ما سر أنها تعدل ثلث القرآن؟
د. الربيعة: والله أعلم ذكر بعض العلماء عدة معاني منها أنها حين كانت تتضمن التوحيد فهذا ثلث القرآن فالقرآن توحيد وعقيدة وأحكام وأخبار فهي بهذا المعنى تعدل ثلث القرآن لكونها تحقق التوحيد لله.
د. الخضيري: يعني من آمن بها واعتقدها فكأنما تحقق بثلث القرآن وكأنما إذا قرأها قرأ ثلث القرآن لأنها تشمل التوحيد بجميع جوانبه.
د. الربيعة: وهذه السورة أيضاً هي نَسَب الرب سبحانه وتعالى كما ورد أن المشركين أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إنسِب لنا ربك، فأنزل الله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) واحد ليس له ولد وليس له والد.
د. الخضيري: هو الأول والآخر والظاهر والباطن. نود أن نقف عند هذه الأحادية، عندما نعتقد أنه واحد وأنه صمد يعني سيّد قد كمُل سؤدده وهو سبحانه وتعالى قد عظم في قدره وأسمائه وصفاته.
د. الربيعة: ولهذا يقول ابن عباس في ملحظ جميل في معنى ذكره في معنى الصمد قال هو الحليم الكامل في حلمه العلمي الكامل في علمه القدير الكامل في قدرته الحي الكامل في حياته، فالصمد دالٌ على أن لله عز وجل الصفات والأسماء الكاملة.
د. الخضيري: هذا المعنى إذا تحقق منه المسلم آمن به وعَلِمه وبدأ يربي نفسه عليه، ماذا يعني له؟ في نظري أنه يعني له الكثير. عندما تعلم أن الله كامل في غناه، كامل في علمه، كامل في حلمه، كامل في سؤدده، غني عن خلقه وأننا نحن بحاجة إليه وأننا لا بد أن نصمد إليه يصمد إليه الخلق بحاجاتهم جعل ذلك العبد أن يفتقر إلى الله تمام الافتقار فيعلم أنه لا يستطيع أن يتصرف حتى في قبضة يده، ولا في حركة عينه ولا في نبضة قلبه ولا في شيء مما يريد أن يفعله إلا بالله. وهذه والله لو تمكّن الإنسان منها لكان هو الموحِّد حقاً وهو أن تعترف أنك مفتقر إلى الله وأنه لا غنى لك عن الله طرفة عين وأن الله سبحانه وتعالى قادر عليك متمكن منك محيط بك لا
¥