تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعزب من علمك عنه مثقال ذرة ولا أضغر من ذلك ولا أكبر.

د. الربيعة: لعل معنى الصمد هذا اللفظ العظيم حينما يستحضره المسلم بهذين المعنيين الأول أن الله سبحانه وتعالى كامل في كل شيء والمعنى الآخر أن جميع الخلق محتاجون إليه حينها فعلاً نحقق معنى الإخلاص. تعرف أن الله سبحانه وتعالى كامل في وحدانيته وألوهيته وربوبيته وكامل في أسمائه وصفاته وإذا كان هذا المعنى العظيم لله تعالى وهو الكمال حُقَّ للمخلوقين جميعاً أن يلتجأوا إليه سبحانه وتعالى وحُقّ لهم النقص فهو الكامل ولهم النقص فما أحوجهم له. هذا اللفظ بهذين المعنيين يعطي المسلم توحيداً وإخلاصاً لله عز وجل.

د. الخضيري: أريد أن أستعرض بعض المشاهد من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في افتقاره إلى ربه لا أقول في موطن واحد ولكن في كل المواطن. كان عليه الصلاة والسلام كثير اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وإذا فزغ عليه الصلاة والسلام وحزبه أمر فزع إلى الصلاة. اذكر على سبيل المثال في غزوة بدر خرج مجاهداً في سبيل الله ومعه خير أهل الأرض وهم أصحابه رضي الله تعالى عنهم، لما التقى الصفان واجتمع الجندان وحصل الخوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويناشد الله، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبَد في الأرض. الرسول صلى الله عليه وسلم يدافع عن دين الله ويجاهد في سبيل الله وجاء إلى هذا المكان امتثالاً لأمر الله ما الحاجة إلى الدعاء؟ هو كمال الافتقار، إظهار العبودية، إظهار التوحيد، إظهار أنني محتاج إليك يا الله في كل شيء. هذه هي حقيقة الصمدية يعني أن تصمد إلى الله بحاجاتك، أن تعرضها على ربك أن تعلم أنه لا يقضيها أحد إلا الله حتى إن أبا بكر لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد رفع يديه حتى سقط الرداء من على منكبيه رفع الرداء وقال كفاك مناشدتك ربك فإن الله منجز ما وعدك. أبو بكر يشفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول إن الله سينجز لك ما وعدك، أبو بكر يأتي بالبشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يعلم افتقاره إلى الله عز وجل. وهذا يذكرني بقصة حصلت للمنذر بن سعيد البلوطي لما طلب الخليفة أن يخرج ليستسقي للناس قال كيف تركت الخليفة؟ قال تركته وهو يتمزغ على الأرض ويقول اللهم إني أسألك أن لا تعذبهم بسببي ولا بسبب ذنوبي فقال المنذر بن سعيد فقال يا غلام أين الممطرة (التي تقي من المطر)؟ فقيل له كيف تفعل ذلك ولمّا تستسقي بعد؟ قال إذا ذلّ جبار الأرض رحِم جبّار السماء. رحمة الله تأتي بعد ذُلِّنا وافتقارنا إليه. وبالفعل خرج المنذر بن سعيد فما هو إلا أن بدأ يستسقي حتى نزل المطر كأفواه القِرب ورجع الناس وهم يتّقون المطر.

د. الربيعة: لعلنا نرجع إلى السورة في تمامها، القسم الأول هو في إثبات الكمال لله والوحداني والصمدية لله سبحانه وتعالى. في قسمها الثاني تجده نفياً بعد إثبات (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)) ملحظ جميل في قوله (لم يلد) قدّم نفي الولد على الوالد مع أن الأصل نفي الوالد قبل الولد لم يولد ولم يلد، لماذا قدم نفي الولد؟ لأنه لم ينسب أحد الله إلى والد وكل الطوائف نسبت إلى الله الولد فقدّم ما هو الواقع وما هو الأهم. فالقسم الثاني كله في تنزيه الله بعد وصفه للكمال وهو ردّ لكل الطوائف التي تزعم أن لله ولد.

د. الخضيري: اليهود زعمت أن عزيراً ابن الله والنصارى زعمت أن المسيح ابن الله

د. الربيعة: والمشركون زعموا أن الملائكة بنات الله

د. الخضيري: وما زال الناس إلى اليوم ينعمون أشياء ولداً أو بنتاً تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً وهذا من أعظم الفِرى. هناك ملحظ لعلنا نختم به وهو قوله تعالى (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)) جمع بين نوعين من النفي النفي الأول نفي المفصّل وهذه ليست عادة القرآن نفي المفصّل إلا عند الحاجة يعني عندما يكون هناك حاجة إلى نفي المفصّل فإن النفي يأتي مفصّلاً وإلا في الأصل أن النفي يأتي مجملاً كما في قوله (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد). فالأصل في الإثبات أن يكون مفصلاً وفي النفي أن يكون مجملاً فجاء النفي هنا مجملاً وجاء النفي أيضاً مفصّلاً ولكن لأجل الحاجة. لما كانت هناك حاجة جاء النفي فيها مفصلاً.

د. الربيعة: إذن نستطيع أن نقول أن هذه السورة العظيمة سورة تحقق في نفس الإنسان الذي يقرأها بتدبر وتحقيق تحقيق الإخلاص والتوحيد لله، فمن أراد تحقيق الإخلاص والتوحيد فليقرأ هذه السورة وليكررها في قلبه قبل لسانه.

د. الخضيري: وليحبها أيضاً حتى يحبه الله كما حصل لأحد الصحابة عندما كان يختم قراءته في كل ركعة بسورة الإخلاص فجاء اصحابه وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لِمَ يفعل ذلك؟ فقال لأن فيها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها فقال أخبروه أن الله يحبه بحبها.

د. الربيعة: وأننا نُشهد الله عز وجل في ختام هذه الحلقة حب هذه السورة وحب كتابه نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أحبابه ومن أهل كتابه ونعتذر إليكم لأن هذه السورة لا تنتهي معانيها لعظم فضلها ولكننا أخذنا شيئاً منها لعلنا نترك لكم بقيتها في تدبر وتأمل. لنا معكم لقاء بإذن الله والسلام عليكم وحرمة الله وبركاته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير