تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النقطة الثانية التي تميز بها تفسير ابن كثير: أنه أورد تفسير القرآن بالسنة, فأورد الأحاديث والآثار التي تفسر هذه الآية التي بين يديه, وذكر هذه الأحاديث وهذه الآثار بأسانيد مؤلفيها, فإذا كان الحديث منقول من مسند الإمام أحمد مثلا, فإنه يذكر الحديث بسند الإمام أحمد, إذا كان الحديث موجودا في صحيح البخاري يذكر سند الإمام البخاري, وهكذا بقية الكتب, ولذلك استطاله بعض القراء له من غير طلبة العلم فرأوا أنه تفسير طويل لأن فيه أحاديث أو فيه آثار فيها أسانيد كثيرة لا يفهمها كل أحد أو لا يستسيغ قرأتها كل أحد, ولذلك عمد العلماء من عهد الإمام ابن كثير أو من بعد عهده بقليل .... إلى ماذا؟ عمدوا إلى اختصار تفسير الإمام ابن كثير, فاختصره البعلي بعده بقليل, ثم اختصره علماء بعده, ثم في زماننا وفي عصرنا المتأخر هذا اختصره عدد كبير من العلماء, وسوف أشير إلى أهم مختصراته. هذه النقطة الثانية من منهج ابن كثير في تفسيره, وهو تفسير القرآن بالسنة.

والإمام ابن كثير رحمه الله حافظ من حفاظ الحديث, فإنه كان يستحضر مسند الإمام أحمد, لذلك أكثر من الأحاديث في تفسيره التي أخذها من مسند الإمام أحمد ومن الصحيحين ومن غيرهما, بل إن من الكتب الجيدة التي كتبت حول تفسير ابن كثير ما صنفه الشيخ الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان _حفظه الله_ في كتاب طبع مؤخرا سماه "موارد ابن كثير في تفسيره" في مجلدين. هذا الكتاب ... ماذا صنع الدكتور سعود؟ ذكر كل الكتب التي رجع ابن كثير إليها في تفسيره, من كتب السنة, ومن كتب الحديث, ومن كتب الفقه, ومن كتب التفسير, ومن كتب اللغة, ومن كتب النحو, ومن كتب القراءات, وغيرها. فوجد أن ثلثي الكتب التي رجع إليها الإمام ابن كثير في تفسيره هي من كتب السنة وكتب الحديث, وذلك أنه ركز في تفسير القرآن بالسنة, وهذه منقبة للإمام ابن كثير رحمه الله.

النقطة الثالثة من منهجه: تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة, فإنه كان يورد أقوال الصحابة في كل آية يفسرها وجد فيها للصحابة قولا.

ثم بعد ذلك يذكر أقوال التابعين, وهو تفسير القرآن بأقوال التابعين.

والحقيقة أن هذا منهج متميز للإمام ابن كثير, لا أقول أنه قد تفوق على الإمام ابن جرير الطبري في كتابه هذا, كلا, فإن ابن جرير الطبري رحمه الله يبقى هو إمام المفسرين بدون منازع, والعلماء كانوا يقلدونه ويسيرون على منهجه في كتابه إلا أنهم لم يبلغوا مرحلة ابن جرير رحمه الله, و {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [سُورَةُ الْجُمُعَةِ: 4] , إلا أن تفسير ابن كثير يأتي في المرتبة الثانية بعد تفسير الإمام الطبري من حيث العناية بالآثار التي وردت في تفسير الآية عن السلف, عن الصحابة, عن التابعين.

وقد تقدم معنا في أول حلقة أن قلنا: أن من أهم ما يُعنى به طالب العلم الذي يريد أن يقرأ في كتب التفسير أو يريد أن يفسر أو يريد أن يفهم التفسير أو يُدَرِسَ التفسير أن يُعنى بهذا _بتفسير القرآن بالقرآن_ ما استطاع إلى ذلك سبيلا, وهذه تعطي طالب العلم ملكة, أنك إذا كنت تريد أن تفسر آية من الآيات: اعصر ذهنك وحاول بقدر ما تستطيع أن تستحضر الآيات التي وردت مفسرة لهذه الآية بقدر ما تستطيع, وترجع إلى تفسير ابن كثير, ترجع إلى تفسير الشيخ الشنقيطي, أوغيرها من الكتب التي عنيت بتفسير القرآن بالقرآن.

النقطة الثانية: تفسير القرآن بالسنة, تفسير القرآن بأقوال الصحابة, تفسير القرآن بأقوال التابعين, فإن الحق بإذن الله لا يخرج عن هذه الدوائر بإذن الله تعالى, ثم إعمال الذهن في تفسير القرآن باللغة, وهذا باب واسع, وله قواعد, وله ضوابط.

فأقول أن الإمام ابن كثير رحمه الله قد استطاع بمنهجيته هذه أن يصنف كتابا متميزا في التفسير سارت به الركبان, وهذا التفسير من أول ما طبع من كتب التفسير, فقد طُبع عام ألف وثلاثمئة للهجرة (1300 هـ) , في مطبعة بولاق, أي قبل مئة وسبع وعشرين سنة (127 سنة) , طُبع بمطبعة بولاق طبعة قديمة جدا, ثم في عام ألف وثلاثمئة وثلاث وأربعين هجرية (1343 هـ) طُبع طبعة ثانية في مطبعة المنار التي كانت تابعة لمجلة المنار للشيخ رشيد رضا رحمه الله , وقد كانت هذه الطبعة التي طبعها الشيخ رشيد رضا بطلب من جلالة الملك عبد العزيز بن عبد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير