أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ
فامرؤ القيس هنا قد شبه الرمح بناب الغول قال:
وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ
قد تكون مقصود به الرمح وقد يكون مقصود به الأسهم التي معه.
إلا أن الشاهد انه شبه هذه الأسهم أو هذا الرمح في حدته بناب الغول مع أن العرب لاتعرف ناب الغول إلا أنه قد استقر في أذهانها أنه حاد أو انه وجهه قبيح ومثله وجه الشيطان أو ورأس الشيطان ولذلك جاء كلام الله سبحانه وتعالى في القرآن موافقا لكلام العرب وسننها في كلامها فقال: ((طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات)) قال فاستحسن هذا الجواب من أبي عبيدة في ذلك المجلس قال أبو عبيدة فأضمرت في نفسي أن أصنف كتاب على هذا المنوال أتتبع فيه غريب القران أو نحو ذلك فصنف كتابه مجاز القران.
إلا انه طعن على هذه الحادثة بأنها لم تثبت، وأن أبو عبيدة عند تفسيره لهذه الآية لم يذكر هذه القصة، لكن هذه تذكر من باب المُلح في أسباب تصنيف كتاب المجاز في القرآن لأبي عبيدة.
أبو عبيدة معمر بن المثنى ولد في البصرة ونشأ بها وتعلم على علماء البصرة ولازمهم، ومن أهم وأبرز شيوخه الذين أخذ عنهم العلم والذين يفخر أبو عبيدة بعلمهم وتتلمذه عليهم والعلامة المقرئ اللغوي أبو عمر ابن العلاء البصري المقرئ المشهور رحمه الله.
أبو عمر ابن العلاء البصري المتوفى في السنة الرابعة والخمسين بعد المائة هو من أهم وأكبر شيوخ أبو عبيدة معمر المثنى اللذين أخذ عنهم القراءة قراءة القران الكريم، وأبو عمر بن العلاء كما تعلمون هو أحد القراء السبعة الذين أخذ عنهم القران الكريم، وهو من أهل البصرة ومن كبار علمائها وأضف إلى علمه بالقراءة فقد كان عالما مبرزاً في لغة العرب حتى أنه قد روى شطر اللغة العربية التي نتكلمها الآن والتي يتداولها العلماء في كتب اللغة من أشعار العرب ومن ألفاظها، فإن أبا عمر ابن العلاء هو الذي روى لنا هذا القدر الكبير من لغة العرب، وهو من أعمدة الرواية ومن أهل السنة ومن العلماء الكبار الأثبات الثقات الحفاظ الموثوقين في دينهم وفي أمانتهم وفي حفظهم.
وتحضرني قصة طريفة لأبي عبيدة رحمه الله مع شيخه أبي عمر ابن العلاء يقول أبو عبيدة انه قد أنني حضرة أبي العلاء في وفاته فقال أبو عمر لأبي العلاء لأبي عبيدة وهو في اللحظات الأخيرة قال: ياأبا عبيدة والله ماكذبت على العرب في شيء رويته قط، وهو كذلك من أهل الثقة ومن أهل العدالة إلا أن هذه القصة تروى في ترجمته في بعض الكتب التراجم، قال: وما زدت إلا بيتا في قصيدة الأعشى العينية التي يقول فيها:
و احتلتِ الغمر فالجدين فالفرعا
بانَتْ سُعادُ، وأمْسَى حَبلُها انقطع،
وأنكرتنى وماكان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلع
يقول أبو عمر ابن العلاء أنا الذي أضفت:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلع
قال هذا الكلام لتلميذه أبى عبيدة
فقال أبو عبيدة والله لقد قرأت هذه القصيدة، وهذه القصيدة للأعشى الشاعر الأعشى ميمون ابن قيس الكبير يمدح بها هود ابن علي الحنفي وهي من عيون شعره وهي مليئة بالشواهد.
قال: قد قرأت هذه القصيدة على بشار ابن برد قبل عشرين سنة.
فقال لي: قولك:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلع
ليس من شعر الأعشى
قال:فقلت له من شعر مَن إذاً؟
فقال:لا ادري
قال: بعد عشرين سنة أخبره عمر ابن العلاء أنه هو الذي أضاف هذا البيت في هذه القصيدة.
وهذا قد يستدل به البعض على أن هذا قدح في سيرة أبي عمر ابن العلاء رحمه الله وهذا ليس كذلك، بل هو دليل على أمانته وعلى ثقته وعلى سعة حفظه وروايته، فالشاهد أن أبا عبيدة رحمه الله كان يفخر بتتلمذه على هذ1ا الإمام العلامة الحافظ الراوية أبي العلاء ابن عمر البصري رحمه الله المتوفى سنة 154 ه وهذا من أكبر شيوخه وأعلمهم.
فأبو عبيدة صنف كتابه هذا وكثيراً من كتبه في زمان هو في زمان بداية التصنيف، وكنت تحدثت لكم في أول الحلقات عن ابن عباس ومنهجه في التفسير، وذكرت لكم أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يصنف كتابه في التفسير،ثم جاء الحديث بعد ذلك عن بعض تلامذة ابن عباس.
¥