وهذا الموقف الذي وقفه العلماء من صنيع أبي عبيدة قد وقفوه أيضاً من الفراء فالفراء صنف كتاباً سماه معاني القران وسار فيه على صنيع أبي عبيدة فانتقده كثير من العلماء الذين عاصروه ومنهم الإمام احمد ابن حنبل قال: كنت أظن أن الفراء رجلا صالحا حتى رأيت كتابه في تفسير القران.
الشاهد أيها الإخوة أن كتاب مجاز القران يعدّ عمدة من كتب غريب القرآن لايستغنى الباحث عنها،وقد طبع هذا الكتاب قديماً بتحقيق الدكتور فؤاد تزكين وكان رسالة للدكتوراه وهذه الطبعة هي الطبعة الوحيدة للكتاب المعتمد.
وهناك طبعة خرجت قبل سنة أو سنتين إلا أنها غير جيدة من حيث الإخراج ومن حيث التحقيق العلمي وهذا الكتاب في الحقيقة في حاجة إلى إعادة تحقيقه تحقيقا علمياً يستند فيه المحقق إلى الكتب الكثيرة التي طبعت بعد ذلك من كتب غريب القران وكتب التفسير وأيضاً فن تحقيق المخطوطات قد تطورت كثيراً.
فالدكتور فؤاد تزكين رحمه الله قد حققه قبل مايزيد عن خمسة وخمسين سنة، وخلال خمس وخمسين سنة قد ظهر كثير من الكتب التي كانت مخطوطة.
نذكر الكتاب نذكر بعض منهج أبي عبيدة في هذا الكتاب أبو عبيدة رحمه الله قد بدا فيه في الحديث عن القرآن الكريم وعن اشتقاق القران الكريم فقال: القرآن اسم كتاب الله خاصة ولايسمى بله شيء من سائر الكتب غيره وإنما سمي قرانا لأنه يجمع السور ويضمها وتفسير ذلك في آية من القران قال الله جل ثناؤه ((إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) القيامة
))) مجازه
لاحظوا وهذه مسألة مهمة جداً من المسائل التي أريد أن أشير إليها أبو عبيدة لايقصد بقوله مجاز القرآن هنا هو المجاز الذي عرف عند أهل البلاغة وهو صرف اللفظ أو صرف اللفظ من معناه الراجح إلى معناه المرجوح لقرينة.
هذا هو المجاز عند علماء البلاغة لاء لايريد به هذا المعنى وإنما يقول مجازه إنما معناه مجاز القران أي معاني القران التي أريد بها فقوله هنا قوله ((إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) القيامة)) مجازه: تأليف بعضه إلى بعض.
معناه أي ((إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17))) أي معنى هذه الآية تأليف بعضه إلى بعض
فأبو عبيدة يقصد بكلمة مجازه أي معناه.
ولذلك بعض الذين ترجموا له يسمون كتابه هذا معاني القرآن وبعضهم يسميه غريب القرآن والاسم الذي طبع به واشتهر هو مجاز القران وكلها تقريبا مسميات بمعنى واحد وإن كان فيها فروق لكنها هذا الوقت ليس مناسباً للتفصيل في ذلك
قال مجازه ((فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) القيامة))) مجازه فإذا ألفنا منه شيء فهو ممناه إليك فخذ به واعمل به وضمه إليك
ثم يستشهد أبو عبيدة بشاهد من الشعر
وقال عمر ابن كلثوم في هذا المعنى:
ذراعي حرة أدماء بكر هيجان اللون لم تقرأ جنينا
أي لم تضم في رحمها ولد قط.
ويقال للتي لم تحمل قط ماقرأت سناً قط.
هذا أبو عبيدة في منهجه الذي سار عليه في الكتاب قلت لكم انه أصبح عمدة عند المتأخرين بعده وهو الاستشهاد بالشعر في تفسير القران الكريم وفي معرفة الألفاظ الغريبة.
هذا كان مستغرباً في زمانه وأنكر عليه،لكنه أصبح فيما بعد حجة يحتج بها المفسرون.
ولذلك فهذا الكتاب على أنه في مجلدين فقط قد ورد فيه مايزيد عن تسع مائة وخمسين شاهد من الشعر المحتج به الذي رواه أبو عبيدة عن شيوخه ورواه عن الأعراب أنفسهم الشعراء وكان روى عن ابن العجاج الشاعر المعروف.
ولذلك فأنا أقول أن المفسرين بعد أبي عبيدة عالة عليه في شواهد الشعر قد أخذوها كلها في كتبهم أخذها ابن جرير وأخذها ابن قتيبة وأخذها غيرهم، ويعد هذا الكتاب عمدة في غريب القران رجع إليها أصحاب المعاجم مثل الأزهري وغيره، وان كانوا انتقدوه في مواضع وردوا عليه في مواضع وهذا لايمنع ولا يغظ من قيمة كتاب أبي عبيدة رحمه الله في غريب القرآن.
وتأثر العلماء به مثل الإمام البخاري في كتابه الصحيح قد اعتمد على مجاز القرآن لأبي عبيدة في تفسيره للقران الكريم في مواضع كثيرة.
واعتمد عليه أيضا الطبري واعتمد عليه ابن عطية واعتمد عليه ابن قتيبة واعتمد عليه كثير ممن جاؤوا بعده من المفسرين كالقرطبي وابن عطية وغيره، وهذا يدل على مكانة هذا الكتاب وعلى قيمة هذا العالم بالرغم مما قيل في سيرته رحمه الله من انه كان من الخوارج أو انه كان فيه كذا وكذا إلا انه رحمه الله كان شديد الطعن على بعض العلماء والمخالفين له إلا أن هذا لم يطعن في ثقته وفي عدالته وفي روايته ولذلك اعتمد العلماء على روايته.
ولذلك له كتب ولكن معظمها كتب مفقودة من اشهرها:كتاب الخيل وهو كتاب شرح النقائض نقائض جرير والفرزدق له كتاب في شرح النقائض في ثلاثة مجلدات يعتبر من أفضل شروح هذه القصائد من قصائد جرير والفرزدق ويعد عمدة عند اللغويين وعند المؤرخين على حد سواء.
كتاب مجاز القران لأبي عبيدة معمر ابن المثنى التيمي البصري المولود سنة 110 في البصرة والمتوفى في البصرة سنة 210 __ 211 على خلاف بين المؤرخين يعد عمدة من كتب غريب القران التي تعد هي اللبنة الأولى من كتب التفسير.
ولذلك كتب غريب القران قد ضمنت في كتب التفسير والحديث عن أهل التفسير يدخل فيه الحديث عن أهل القران بالأصالة مثل مجاز القران مثل أبي عبيدة ومثل الفراء ومثل أبي قتيبة والذين بإذن الله سوف يأتي الحديث عنهم بحلقات قادمة بإذن الله تعالى
نسال الله سبحانه وتعالى أن يجزل الثواب لأبي عبيدة معمر ابن المثنى على حفظه هذا العلم وحفظه لهذه اللغة العزيزة الوافرة في كتابه مجاز القران.
ونسال الله سبحانه وتعالى ان يعفوا عنا وعنهم وان يجمعنا بهم في جنات النعيم.
والى لقاء قادم بإذن الله تعالى مع إمام من أئمة التفسير ومع كتاب قادم من كتب التفسير.
استودعكم الله الذي لاتضيع ودائعه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
¥