ومما يزيد الخوف في قلب العبد من ربه جلّ وعلا .. معرفة تلك العقوبات العظيمة، التي أنزلها الله بالأمم السابقة، فإن من تأملها وتفكّر فيها، زاده ذلك خوفا من الله تعالى، قال سبحانه) قَالُوا إنّا أُرسِلّنَا إلى قَوم ٍمُجرِمِين لِنُرسِلَ عَلَيهِم حِجَارَةً مِن طِيِن مُسَوَّمَةٍ عِندَ رَبّكَ لِلِمُسرِفِين (إلى قوله سبحانه) وتَرَكنَا فِيهَا آيةً للّذِينَ يَخَافُونَ العَذَابَ الألِيم (.
ثم إن العبد يخشى من ربه أن يوقع عليه العقوبات في الدنيا بسبب سوء عمله، قال تعالى في وصف من يتوسل إليه التوسل المشروع ويخافون عذابه) إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحذُورَا وإن مِن قَريَةٍ إلّا نَحنُ مُهلِكُوهَا قَبلَ يَوم ِالقِيَامَة أو مُعَذِبُوهَا عَذَابَاً شَدِيدَا كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسطُورَا (.
من أسباب تحصيل للخوف من الرب تبارك وتعالى:
ملاحظة الآيات الكونية، وما قدّره الله من المخلوقات العظيمة، يزرع الخوف من الله في قلب العبد، قال تعالى) هُوَ الّذِي يُريِكُمُ البَرقَ خَوفَاً وطَمَعَا ويُنشئُ السَّحَابَ الثِقَال ويُسَبِحُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ والمَلائِكَةُ مِن خِيفَتِهِ ويُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَال (، وقال سبحانه) ومَا نُرسِلُ بِالآياتِ إلّا تَخويِفَا (.
إن تحصيل العلم الشرعي ينتج الخوف في قلب العبد، قال تعالى) إنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاء (.
ومن أسباب تحصيل خوف الله جلّ وعلا أن يستشعر العبد أن الله يراقبه ولا يخفى عليه شيء من أحواله، قال سبحانه) إنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُم فَحذَرُوُه (.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: {من طلب من العباد العوض ثناءً أو دعاءً أو غير ذلك لم يكن محسناً إليهم، ومن خاف الله فيهم، ولم يخفهم في الله، كان محسناً إلى الخلق، محسناً إلى نفسه، فإن خوف الله يحمله على أن يعطيهم حقهم، ويكف عن ظلمهم، ومن خافهم ولم يخف الله فيهم، فهذا ظالم لنفسه ولهم، حيث خاف غير الله ورجاه، لأنه إذا خافهم دون الله احتاج أن يدفع شرّهم عنه بكل وجه إما بداهنتهم أو مراءاتهم، وإما بمقابلتهم بشيء أعظم من شرهم أو مثله، فإذا رجاهم لم يقم بحق الله فيهم، وإذا لم يخاف الله فهو مختار للعدوان عليهم، فإن طبع النفس الظلم لمن لا يظلمها فكيف بمن ظلمها.
ستجد هذا الضرب من الناس .. كثير الخوف من الخلق، كثير الظلم إذا قدر، مهين ذليل إذا قُهر، فهو يخاف الناس بحسب ما عنده من ذلك، وهذا مما يوقع الفتن بين الناس، وكذلك إذا رجاهم وهم لا يعطونه ما يرجوه منهم فلابد أن يبغضهم، فيظلمهم إذا لم يكن خائفاً من الله.
والإنسان إذا لم يخف من الله اتبع هواه، ولا سيّما إذا كان طالباً ما لم يحصل له، فإن نفسه تبقى طالبة لما تستريح به، وتدفع به الغم والحزن عنها، وليس عندها من ذكر الله وعبادته ما تستريح إليه، فتظن أن راحتها في المحرمات، من فعل الفواحش وشرب المسكرات، وقول الزور واللهو والعبث، ومخالطة قرناء السوء، ولا تطمئن نفسه إلا بعبادة الله.
** الدرس كاملا في المرفقات ...
************************************************** **************
*نبذة من الدرس العاشر*
التواضع
الحمد لله الذي خضع لعظمته الجبابرة .. وذل لسطوته الظلمة العصاة .. وأشهد أن لا إله الا هو سبحانه، لا ينازعه أحد الا قصمه .. وأشهد أن محمد عبده ورسوله .. أشدّ الناس تواضعا، حتى اختار أن يكون عبداً رسولا، لا ملكاً نبيا، وكان من تواضعه أنه يكون في خدمة أهله، وقال: {لا تطروني إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله} صلّى الله عليه وسلّم تسليما
أما بعد ...
فإن من أخلاق قلوب الصائمين .. التواضع، التواضع أن لا يرى الإنسان لنفسه على غيره فضلا مهما علت منزلته، ومهما قدّم من إحسان لغيره، وقد فسّر النبي صلّى الله عليه وسلّم الكبر بأنه {بطر الحق "أي جحده "، وغمط الناس "أي احتقارهم"}.
متى تصح درجة التواضع؟
ولا يصح للعبد درجة التواضع، حتى يقبل الحق ممن يحب وممن يبغض، فيقبله من عدوّه كما يقبله من صديقه، وإذا لم تردّ عليه حقا فكيف تمنعه حقا ً له قِبَلك، ومن أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته حقاً كانت معذرته أو باطلا، وتكل سريرته إلى الله تعالى، كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنافقين الّذين تخلّفوا عنه في الغزو، فلما قدم جاءوا يعتذرون إليه فقبل أعذارهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى.
وعلامة التواضع والكرم .. أنك إذا رأيت الخلل في عذره فلا توقفه عليه، ولا تحاجّه، ولا تبيّن له أنك فد اطلعت على كذبه في عذره.
إن أعظم درجات التواضع .. أن تتواضع مع الله، بأن تعرف مقدار نفسك، وأن تستجيب لأمر ربّك، طاعة له سبحانه، لا استجابة لعاده ولا تحقيقاً لهوى ومحبة، فلا ترى لنفسك حقاً على الله لأجل عملك، وإنما تتواضع لربك بأن تعرف أن الله جلَّ وعلا قد تكرّم عليك.
... الدرس كاملا في المرفقات ...
¥