عند ترك الإنسان للقناعة تنشأ الخصومات الجالبة للسوء في الدنيا والآخرة، جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخاف أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم] فجعل الدنيا المبسوطة هي المهلكة، بسبب حبها وشدّة الحرص عليها والمنافسة فيها والجزع من أجلها، فما أشنع آثار ترك القناعة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص الرجل على المال والشرف لدينه].
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يجعله من أهل القناعة، فقد ورد أن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بين الركنين (ربي قنعّني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف عليا كل غائبةٍ بخير .. ).
القناعة لا تعني أن يرد العبد ما يصل إليه من أرزاق الله أو من الهدايا والهبات .. ولكن القناعة عدم تطلع العبد إلى ما لم يقّدره الله له وعدم حزنه على فوات بعض الأرزاق عليه ..
إكمال الدرس في المرفقات
*نبذة من الدرس (14) *
**اليقين**
الحمد لله على نعمة الإيمان و اليقين، وأشهد أن لا إله إلا الله صدقاً نجزم به جزم اليقين، والصلاة و السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ...
أما بعد ... فإن من الأعمال الصالحة التي تتقرب القلوب بها إلى باريها جلّ وعلا أن تحصِّل اليقين وتبتعد عن الشبهات.
واليقين طمأنينة القلب واستقرار العلم فيه، وضد اليقين الريب و الشك الذي يتضمن الاضطراب وكثرة الحركة ..
واليقين مبني على علم ٍ للقلب وجزم ٍ منه مع عمل القلب بذلك الجزم، قال ابن مسعود رضي الله عنه: {خير ما ألقي في القلوب اليقين} وقال: {اليقين الإيمان كله}.
وعلامة اليقين وفائدته أن صاحبه إذا وردت عليه شبهه أو حصلت له فتنة وابتلاء، فإنه يثبت ولا ينجرف معها ولا يتبع كل ناعق، قال الحسن: {باليقين طُلبت الجنة، وباليقين هُرب من النار، وباليقين أُدّيت الفرائض، وباليقين صُبر على الحق}.
اليقين مع الصبر من أسباب نيل الإمامة في الدين، كما قال تعالى) وَجَعلنا مِنهم أَئِمّةً يَهدُونَ بِأَمرِنا لَمّا صَبَروا وَكَانوا بِآياتِنَا يُوقِنُون (، وانظر لموقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقوله تعالى) ( .. الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكم فَا اخْشَوهم فَزَادَهم إيماناً وَقَالوا حَسبُنَا اللهُ وَنعمَ الوَكِيل
أهل اليقين هم الّذين يستفيدون من الآيات ويتفكرون فيها، كما قال سبحانه) وفي الأَرضِ آياتٌ لِلمُوقِنين (جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه أنه قال: {كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك}، فالدعاء من أسباب تحصيل اليقين، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: {اللهم أرزقني من اليقين ما تُهّون به عليّ مصائب الدنيا}، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {سلوا الله العافية و اليقين فإن اليقين نعمة من الله}، قال بعض العارفين: [اليقين واردات ترد على النفوس، تعجز النفوس عن ردها] ...
إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب، طلب العلم الشرعي مع الاهتداء بالكتاب والسنة، قال سبحانه:) ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيه هُدىً لِلمُتقين (وقال جلّ وعلا) يُفصِّلُ الآياتِ لَعلََّكم بِلِقاءِ رَبِكم تُوقِنون ( ..
إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب أن يعمل المرء بما لديه من العلم، كما قال سبحانه) قَد جَاءَكم مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِين يهدي به اللهُ مَن اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السّلام ( ..
إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب أن يتفكّر العبد في آيات الله الكونية، وأن يعرف أنها من الله وأن ينظر إلى ما فيها من العجائب، قال تعالى) سنُرِيهِم آياتِنا فِي الآفاق ِوفي أَنفُسِهِم حَتى يتبيّنَ لَهم أَنّهُ الحقََّ أو لم يكفي بِرَبِكَ أَنّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ شَهِيد (.
إن من أسباب تحصيل اليقين .. أن يتخفف العبد من الذنوب، بتركها قبل فعلها أو بالاستغفار والتوبة منها بعد حصولها، وقد ورد في الحديث {أن للقلوب صدأ ً كصدأ النحاس وجلاءها الاستغفار}.
¥