تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن من أعمال القلوب الغيرة التي أصلها الأنفة .. ومعنى الغيرة في الاصطلاح كراهية النفس أن يشارك الآخرون العبد فيما يظن انه من اختصاصه .. والغيرة منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم، جاء في المسند والسنن من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل ومنها ما يبغض الله عز وجل، فأما الغيرة التي يحب الله عز وجل فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يُبغض الله عز وجل فالغيرة في غير ريبة} وفي حديث علي: {الغيرة غيرتان .. غيرة حسنة جميلة يُصلح بها الرجل أهله، وغيرة تُدخله النار تحمله على القتل فيقتل} وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {المؤمن يغار، والله أشدّ غيرة} وفي الصحيحين من حديث المغيرة أن سعد ابن عُباده قال: {يا رسول الله لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعجبون من غيرة سعد؟! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني}.

ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة: {إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه} وورد في بعض الآثار [الغيرة من الإيمان والمذاء من النفاق] والمذاء: الأذن باختلاط الرجال مع النساء الأجانب.

فمن الغيرة المشروعة أن يغار الإنسان على محارمه، ومن ذلك أن يغار على أبناءه من أصدقاء السوء، ومن ذلك أن يغار على شريعة رب العالمين أن يتكلم فيها من يريد صدّ الناس عنها وتحريف أحكامها. ومع مراعاة الغيرة المشروعة، فإن العبد لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تُخشى غوائلها، لكن لا يبالغ في إساءة الظن والتعنّت والتجسس على البواطن ..

إن من الأمور التي ينبغي أن تُلاحظ أن الله تعالى يغار إذا توجّه العباد بعباداتهم لغيره أو كانت قلوبهم معلقة بغيره، وإنما الواجب على العباد أن يجعلوا أعمالهم كلها لله جل وعلا بحيث يتوجهون بدعائهم وسائر أعمالهم لله جل وعلا، ومن ذلك أن تحضر قلوبهم عند عبادتهم لله جل وعلا ..

ومما يدخل في معنى حضور القلب .. أن يمتلئ القلب من عظمة الله عز وجل مع الأنس بالقرب من الله ومناجاته و الحياء منه سبحانه أن يطلع على ما لا يرضى من الأقوال والأفعال، خصوصاً حال المناجاة.إذ قبيح بالعبد في الصلاة مثلا أن يقول بلسانه (الله أكبر) وقد امتلئ قلبه بغير الله.

إن حضور القلب في العبادات يعني أن يستشعر العبد أنه واقف بين يدي الله عز وجل، ومن ثم يقف موقف العبد الخادم الخائف الوجل، فيعرف معاني ما يتكلم به، ويفهم مقاصد الأفعال التي يؤديها بين يدي سيّده، وحينئذٍ يسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه ..

ومن أمثلة ذلك .. حضور القلب عند قراءة القرءان، فإن الله يغار عندما يقرأ العبد القرءان ويكون قلبه في غير تأمل معاني كتابه، ومن أراد أن ينتفع بما في القرءان من المعاني العظيمة والمصالح الجليلة فليُجمع قلبه عند تلاوته أو سماعه، وليحضر بقلبه حضور من يخاطب به كأن الله يُكلّمك الأن، قال تعالى) إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكرَىَ لِمَن كَانَ لَهُ قَلب أو ألقَىَ السَمعَ وَهُوَ شَهِيد (قال ابن القيم: [إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيّته بكليّته على المطلوب وصادف وقتاً من أوقات الإجابة، وصادف خشوعاً في القلب وانكساراً بين يدي الرب، وذُلاً له وتضرّعا ورقةً، واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار وألحّ على الله في المسألة وتملّقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسّل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدّم بين يدي دعاءه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا، ولا سيّما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظِنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم] ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير