والندم ركن التوبة ومبدأها، وفي السنن بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الندم توبة} ولا خلاف بين أهل العلم أن التوبة من الذنب لا تصح إلا بالندم على فعله، والندم على المعاصي لا يكون توبة ولا قربة إلا إذا كان ندما ًلله، فمن ندم على فعل المعصية لما فيها من ضرر دنيوي أو مرض لم يكن تائبا ..
والندم يتضمن اعتقادا ًوجزما، ويتضمن إرادة ً ورغبة، ويتضمن ألما ًوحسرة، فإن القلب إذا استشعر أنه فعل ما يضرّه حصل له معرفة ًواعتقاد بأن ما فعله كان من السيئات، وحصل له كراهية ًلذلك الفعل، وهذا من باب الإرادات، ومن حصل له أذى وغم لإقدامه على معصية ربّه، فالندم يتضمن ثلاثة أشياء:
أولها: اعتقاد قبح ما ندم عليه.
وثانيها: بغضه وكراهته.
وثالثها: الألم الذي يلحقه بسبب ارتكابه للذنب.
إن الندم قد يكون بسبب فعل العبد للمعاصي والسيئات، وقد يكون بسبب فعل العبد للمكروهات، والندم قد يكون بسبب ترك العبد للواجبات، وقد يكون بتضييع الإنسان لوقته وعدم فعله للمندوبات، وكذلك قد يكون الندم بسبب ما حصل على العبد من اعتقادات باطلات.
قال ابن مفلح: [التوبة هي الندم على ما مضى من المعاصي والذنوب، والعزم على تركها دائما ًلله عزّ وجل لا لأجل نفع الدنيا أو زوال أذى] ..
قال الحسن البصري في تفسير التوبة النصوح: [هي ندم بالقلب .. واستغفار باللسان .. وترك بالجوارح .. وإضمار ألا يعود].
إن الندم على ما كان من الذنوب والمعاصي له أسباب وثمرات .. فمن ذلك:
أن الله تعالى غفور رحيم، يغفر الزلّات ويعفو عن الخطيئات، ويتجاوز عن أهل الندم، فمن استشعر ذلك أقدم على التوبة والندم فغفر الله ذنبه، قال تعالى) واعَلَمُوا أنَّ الله يَعلَمُ مَا في أنفُسِكُم فَاحذَرُوُه واعلَمُوا أنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيم (وقال تعالى) وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحمَةِ (وقال) ألَم يَعلَمُوا أنَّ اللهَ هُوَ يَقبَلُ التَوبَةَ عَن عِبَادهِ (وقال) وَهُوَ الّذِي يَقبَلُ التَوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَيَعفُوا عَنِ السَّيّئاتِ ويَعلَمُ مَا تَفعَلُونَ (.
إن الندم والتوبة شأن عباد الله الصالحين، فهذا إبراهيم عليه السلام يقول) وتُب عَلَينَا إنّكَ أنتَ التَّوّابَ الَّرحِيم (وموسى يقول) سُبحَانَكَ تُبتُ إلَيكَ وَأنَا أوَّلُ المُؤمِنِينَ (وهكذا كتاب الله مليء من ذكر كلام أنبياء الله في تقديم التوبة بين يدي الله ..
أن التوبة سبب لمحبة الله للعبد التائب .. قال تعالى) إنَّ اللهَ يُحبُّ التوّابين (إن التوبة طريق الفلاح والنجاح كما قال سبحانه) وتُوبُوا إلى اللهِ جَمِيعَا ًأيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعلّكُم تُفلِحُون (.
إن التوبة إلى الله والندم على المعاصي ... سبب لصفاء القلب، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنّ العبد إذا أخطئ نُكت في قلبه نُكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقل قلبه، وإن عاد زِيدَ فيه حتى تعلو قلبه} وهو الران الذي ذكر الله) كَلّا بَل رَانَ عَلَىَ قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكسِبُون ( ..
الندم على الذنوب .. سبب لمغفرتها كما قال سبحانه) قُل يَا عِبَادِيَ الّذِينَ أسرَفُوا عَلَىَ أنفُسِهِم لا تَقنَطُوُا مِن رَّحمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ يَغفِرَ الذُنُوبَ جَمِيعَا ًإنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم (، وقد حكا جماعة من العلماء الإجماع على أن هذه الآية في التائبين، وقال تعالى) ثم إنَّ رَبَّكَ للذِينَ عَمَلَوا السُوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعَدَ ذَلِكَ وأصلَحُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيم (وقال) وإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَا ًثُمَّ اهتَدَى (.
إن الندم على المعصية الذي يعقبه عمل صالح .. يكون سبب لتبديل السيئات لتكون حسنات، كما قال تعالى عن أهل المعاصي) إلّا مَن تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلا ًصَالِحَا فَأولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيّئَاتِهِم حَسَنَات وَكَانَ اللهُ غَفُورَا ًرَحِيمَا (.
الندم على المعصية ينتج كثرة الاستغفار الذي يكون سببا ًلخيري الدنيا والآخرة قال تعالى) وإنِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إليهِ يُمتِعّكُم مَتَاعَا ًحَسَنَاً ويُؤتِي كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَه (.
¥