وهذه الوسائط - مع أهميتها، وتيسير الله لكثير من عباده القراءة فيها - لا تخلو من نقص في صوتياتها ومرئياتها، وضعف المعرفة بها عند الطالب أو الشيخ، وهذا النقص والخلل جعل بعض القراء لا يعتمدها في الإقراء وإعطاء الإجازة في قراءة القرآن عبرها على الشيخ.
ولا يختلف أحد في صحة التعليم عبرها وتصحيح التلاوة، والخلاف هو في عطاء السند والإجازة؛ لأن القراءة عبر هذه الوسائط يتخللها ضعف في الصوتيات، وربما خلل في المخارج لا يتمكن الشيخ من تصحيحه لتأخر الصوت عن الصورة أو العكس.
ولعل الله سبحانه وتعالى يمن علينا فيما يستقبل من الأيام بتطور أكثر في هذه الوسائط يجعلها أقرب إلى الصواب مما هي عليه الآن.
وأما موضوع التحريف في القراءة عند التصحيح على الشيخ فهذا بعيد بإذن الله، ونحن نشاهد الفضائيات، وغرف المحادثة، وقد حضرت التصحيح فيها، وألقيت المحاضرات في غرف البالتوك، وحاورت في كثير من تلك الوسائط فوجدتها لا تختلف عن المشافهة الحضورية إلا في أمور يسيرة، وقد بينت ذلك في ثنايا البحث.
وما وضعه المجمع من ضوابط ولجان علمية لتسجيل القرآن الكريم يعتبر توفيقاً من الله وتصديقاً لقوله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (9) سورة الحجر، وأيضاً في هذا دليل على الرعاية والاهتمام الذي يوليه حكام هذه البلاد المباركة للقرآن الكريم، فجزاهم الله على ذلك خير الجزاء.
وما جاء في السؤال عن التفسير المصور ولقطات التعليم المصورة لبعض معاني القرآن الكريم، فهذا يعتبر فناً من فنون التفسير يتماشى مع عصر النهضة والتقنية، وقد رأيت بعض المواقع التي تهتم بهذا النوع من التفسير وتدعيم الآيات بالصور الموضحة لمعنى الآية، من ذلك ما رأيته في موقع الدكتور المسند، وما رأيته في موقع قناة الحافظ من دعاية للتفسير المصور للأطفال.
ومع العمل الجميل في بيان بعض معاني القرآن الكريم مدعمة بالصور إلا أنه يجب أن توضع لهذا التفسير من الضوابط ما يمنع من الاعتداء على مكانة اللفظ القرآني ومعناه المقدس، فلا تصوير للغيبيات ولا تصوير لما لا يعلم كيفيته وكنهه إلا الله، وذلك أسوة للضوابط التي جعلها علماء الأمة للاستدلال بالآيات على الحقائق العلمية التي يتم التوصل إليها بعد البحث والتنقيح في العصر الحديث.
* قدمت التقنية الحديثة، والبرمجيات الخاصة بالقرآن وعلومه، العديد من الخدمات للدارسين والباحثين وطلاب العلم الشرعي، من قواعد البيانات المفهرسة لكلمات القرآن، وحروفه، وأدوات تمييز النصوص، وغيره .. الأمر الذي يجعل طالب العلم يحصل على ما يريده بيسر وهو موجود أمام الحاسوب، ولكن هل تعتقد أن هذه التقنيات التي أفادت طلاب العلم كان لها آثارها السلبية في التحصيل والتنقيب والجد والبحث العلمي؟
- إن النقلة العلمية التي نعيشها في زمن البرمجيات المتطورة أفادت كثيراً وأدت إلى يسر الوصول إلى النص والمعلومة في شتى مجالات العلم، وقربت ما تباعد من أنواع الفنون في غياهب المكتبات والمخازن وبطون الكتب والمجاميع.
لقد أصبح طالب العلم المتمرس في صياغة المعلومة التي يريد البحث عنها - ولا يكون ذلك إلا عن دربة في الفنون التي يزاول النظر فيها - أصبح يستطيع التوصل إلى المعلومة في أمهات الكتب المتخصصة فيها بكتابة عبارته في مجال البحث الذي يحدده فتخرج له عشرات بل مئات النتائج في الكتب التي في مجال بحثه، كما يستطيع حفظ تلك النتائج تحت عنوان خاص يستطيع الرجوع إليها متى شاء.
وبحسب ما زاولته في البحث التقليدي والبحث عبر المكتبات الإلكترونية فإني رأيت - مع الإيجابيات الكبيرة - سلبيات تؤثر كثيراً على طالب العلم ومستقبل كتب التراث من حيث البحث والقراءة فيها، فالبحث الإلكتروني يختلف اختلافاً كبيراً عن تقليب فهارس الكتب والنظر في العناوين، كما أنه يبعد طالب العلم عن كتب التراث والنظر إلى حجم الجهود التي بذلها أئمتنا في رعاية العلوم وتهذيبها، وكما أورثت طريقة البحث الإلكتروني خمولاً في الفكر أورثت أيضاً خمولاً في الجسم حيث لا قيام ولا حركة، بل جلوس وركود يؤدي إلى الثبات والجمود، وأذكِّر بأمر مهم وهو أن هذه الأجهزة ترسل إشعاعات تؤثر على البصر، وقد رأيت بعض الذين أثرت عليهم هذه الأجهزة.
¥