لقد كان نولدكه (1890) أول من أظهر أن قصة ذي القرنين في القرآن إنما تحاكي جزئياً نصاً سريانيا كتب حوالي 630 ميلادية، يدعى في البحث الحديث أسطورة الإسكندر (حتى تتميز عن قصة الإسكندر البطولية الشهيرة). إن هذا النص السرياني -كما بَيَّنتْ بتفصيلٍ من قبلُ غيريت رينينك- جُمع ليقدم الدعم السياسي لهرقل عقب انتصاره على الإمبراطور الساساني خسرو الثاني، وليعيد توجيه العواطف التنبؤية لذاك الزمن باتجاه توقع الإمبراطورية الرومانية المسيحية العالمية التي تسبق نهاية الزمان.
إن إعادة سرد القصة في القرآن يتضمن قبولاً بالأسطورة عموماً، ولكنها بعد نزع الدعاية البيزنطية عنها، وذلك بالتركيز على توقعات الحروب العظيمة السابقة نهايةَ العالم. تبيِّن هذه الورقة:
أولاً: أن نولدكه كان محقاً في تأكيده على العلاقة بين النصين، ثانيا: أن تصور ذي القرنين نبياً تعكس اعتقادات المستمعين الأوائل للقرآن، الذين سمعوا بالأسطورة فعلاً، ثالثا: أن شرح القصة في التفاسير المبكرة يُظهر أن بعض المفسرين كان على علمٍ بتصور أكثر اكتمالاً عن أسطورة الإسكندر السريانية، بينما تعمَّد مفسرون آخرون -رغم وعيهم بالأصل- إخفاءَ الربط بين النصين. وقد أدّى ذلك إلى ظهور عدد من التفسيرات المختلفة والمعارِضة لهوية ذي القرنين العجيبة، التي استمرت في تراث الأساطير المعقد حتى اليوم، ولكن فكرة أن ذي القرنين كان الإسكندر (متعذر تفسيرها بغير الأسطورة) لم تختفي نهائيا.
المحور الرابع: عناصر التناص في القرآن
ـ الحواميم: التناص في السور المكية المتأخرة: إسلام دايه (جامعة برلين الحرة).
من بين التسع والعشرين سورة المبتدَأة بالحروف المقطعة، سبعٌ منها يبدأ بحرفي (حم)، وهي السور: غافر، فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، وسورة الشورى ابتدأت بحم عسق. هذه السور عُرفت في المصادر التراثية الإسلامية بالحواميم. وتثبت هذه الورقة أن القراءة التناصِّية المتنبِّهة للتطور الزماني لهذه السور سوف تعزز الفكرة التي لم تزل جنينية، حتى الآن، بأن هذه السور مترابطة.
لقد حظيت فكرة انسجام السورة بعناية جيدة في العصر الحديث، ولكنها يجب أن تُوسَّع حتى تتضمن وجود جملة من السور المنسجمة. إن فكرة السور التي تشكل ثنائيات أو ثلاثيات أو رباعيات ليس جديدة كليا؛ فقد شرح المفسر الباكستاني أمين أحسن إصلاحي (1903 - 1997م) فكرة ثنائيات السور ومجموعاتها، واعتبرها مهمة ومركزية في العمل التفسيري. واقترح آخرون تجميع السور التي تتضمن مثلاً ما يدعى (سور الرحمن)، أي السور التي تحوي تكرارا ملحوظا لصفة (الرحمن)؛ ومن ذلك أيضا مجموعة (المسبِّحات)، أي السور التي تبدأ بفعل (سبَّح)، واشتقاقاتها مثل يسبِّح وسبَّح. إن تحديد مجموعات السور والعلاقات الظاهرة بينها إنما تقوم على القراءة التناصِّية التي تهدف الربط بين الاعتبارات البنيوية والتاريخية.
ـ التشريع ووظيفته في نصين قرآنيين: جوزيف لوري (جامعة بنسلفانيا).
تشرح هذه الورقة نصين تشريعين من القرآن (الأنعام 136 - 153) و (الإسراء 22 - 39) سعياً لفهم دورهما في تشكيل البنية الخطابية للقرآن ومحتواه التشريعي. يعكس هذان النصان بوعيٍ الوصايا العشر الكتابية بطريقة متميزة. فالنص في سورة الأنعام يحدد بدقة الأنماط الحاكمة للمجتمع القرآني في علاقته بالقانون الكتابي و (ربما) بعادات المشركين؛ وخلاصته: أن المجتمع القرآني خاضع لعدد أقلَّ وأكثر معقولية من الواجبات التي كانت مترتبة على المجتمعات الأخرى. على خلاف النص في سورة الإسراء، الذي يشير إلى استمرار فعالية القانون الكتابي في المجتمع القرآني. وتكمن أهمية هذا التعارض في أن سورة الأنعام تلخص -جزئيا على الأقل- ما جاء في سورة الإسراء.
إن مقارنة الاستخدام الجدلي المختلف لهذه المادة، بالإضافة إلى مساهمتها المعتبرة في بناء كلتا السورتين، سيدفعنا إلى الأخذ بعين الاعتبار بناءَ السورتين محل البحث، ودور التشريع في الخطاب القرآني، والعلاقة المعقدة للقرآن بالكتاب المقدس، وتلقي التشريع القرآني في التفاسير المبكرة والفقه الإسلامي.
ـ موسى الحروفي: أورخان ميرـ كازيموف (معهد الدراسات التطبيقية العليا).
¥