تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د. عبدالرحمن بدوي وأصناف الحضور للمؤتمرات

يُعَدُّ الباحث الراحلُ الدكتور عبدالرحمن بدوي من الباحثين الذين حضروا عدداً كبيراً من المؤتمرات العلمية في طول العالم وعرضه، وقد ذكر في كتابه (سيرة حياتي) (2) خلاصةَ تَجربته في حضور مثل هذه المؤتمرات في العالم العربي وفي أوربا وأمريكا وغيرها من مؤتمرات المستشرقين. فقال في ذكرياته حول مؤتَمرٍ عقد في طهران عام 1393هـ، وكان موضوعه حول العالم (أبي الريحان البيروني)، وقد ألقى بحثاً في عصر اليوم الأول للافتتاح باللغة الفرنسية عنوانه: (البيروني والفلسفة اليونانية) وخلاصة بحثه أنَّهُ (وإن كان البيروني واسع الاطلاع على الفلسفة اليونانية وأورد نصوصاً عديدةً مما تُرجم إلى العربية في القرنين الثالث والرابع فإنَّ الخوض في المعقولات لم يكن من شأنه كما قيل عنه، لأنه كان رجلَ علمٍ وضعيٍّ وليس فيلسوفاً نظرياً) وقد أغضبت هذه النتيجة العلمية من أقام بحثه على خلافها من الباحثين، وقد حكى بدوي ما دار بينه وبين هؤلاء الباحثين فقال: (ولما كان فرانتس روزنتال ولوي جارديه قد أعدَّا بحثيهما على زعم أن البيروني (فيلسوف) فقد أفسدتُ عليهما خطتهما، واضطر الثاني إلى تعديل بحثه، كما جاءني الأول ساخطاً غاضباً وهو يقول: لقد أفسدتَ عليَّ بحثي! فقلت له: أنا أدليت بالحجج الدامغة من نصوص البيروني نفسه، فإن كان لديك ما ينقضها فأورده، ولم يستطع جواباً، وألقى بعد ذلك بحثاً قصيراً تافهاً مبتذلاً).

ثم قال بدوي ملخصاً تجربته في أصناف الحاضرين لهذه المؤتمرات:

(وقد لاحظتُ بوجهٍ عام أن الغالبية العظمى مِمَّن يحضرون هذه المؤتَمرات العلمية لا يستعدون لها أيَّ استعداد. ولهذا يكتفون بتحضير خطبٍ منبريَّةٍ تافهةٍ لا تكشف عن أي جهد لا في التحصيل ولا في التفكير، ويحسبون أن الحضور هو مجرد (سد خانات) حتى لا يتهموا بالتطفل واستغلال المرحلة للترفيه والوجاهة.

الطفيليون

وهناك طائفة من الطفيلين المدمنين لحضور المؤتمرات أياً كان موضوعها حتى لو كانوا يسمعون باسم المُحتَفَلِ به لأول مرة في عمرهم (3)، ومع ذلك يتوسلون ويتضرعون بكل الوسائل - وبأخسها غالباً - لاستجداء الدعوة لحضور المؤتمر من القائمين على تنظيمه، ولا يتورعون عن إلقاء (كلمة) هزيلة سخيفة عامة يمكن إلقاؤها في أي اجتماع مهما كان موضوعه. وكان من هذا الصنف في مؤتمر البيروني هذا اثنان أو ثلاثة سيعرفون أنفسهم فوراً حين يقرأون هذا الكلام، مهما غشى عدم الحياء على عيونهم ونفوسهم!!

....

ومنهم صنفٌ يَغُطُّ في نومهِ طوال إلقاء البحث، ثُمَّ يُفيق على ما يتلوه من تصفيقٍ تقليديٍّ، ولا يتورع عن إبداء ملاحظةٍ أو أكثر على بحثٍ لم يسمع منه كلمةً واحدةً! وهو طبعاً يقول كلاماً لا معنى له ولا صلة له بالبحث!

وقد يستظرفُ بعضُهم نفسَهُ - مع إِنَّ ظِلَّه أثقل من جبل الهملايا - فيتخذ من الوقت المخصص للتعليقات فرصةً لقول نكتةٍ باردةٍ مَمجوجةٍ لا يضحك منها أحدٌ غيرَ نفسهِ، ويكون هذا هو كل ما يُسهم به في هذا المؤتمر الذي أَنْفَقَ عليه من أجله المنظمون له نفقاتٍ باهضةً!

وهذه الأصناف الأربعة قد تمثلت بكل جلاء في مؤتمر البيروني هذا، كما تمثلت في مؤتمر الفلسفة الإسلامية الذي انعقد في جامعة هارفرد (كمبردج - مساشوستس) وجامعة كولومبيا (نيويورك)، وفي مؤتمر ابن رشد في سبتمبر سنة 1976 في الكوليج دي فرانس باريس، وفي مؤتمر تاريخ العلوم في باريس في أغسطس سنة 1968 وفي كل مؤتمرات المستشرقين التي حضرتها وما أكثرها! لكن بدرجة أقل ظهوراً لكثرة عدد المشتركين).

من حضر المؤتمر فليأكل بالمعروف ..

هناك فئة من الحضور يحضر من أجل الطعام، والبوفيهات المفتوحة في المؤتمرات، فيحضر المؤتمر وعينه على الساعة، وقد ذهب وعاد من المطعم عدة مرات ليهيأ له مكاناً مناسباً، ويسأل كثيراً عن موعد الغداء أو العشاء، وقد رأيتُ مواقف طريفة لو رويتها لكم لخرجتُ عن الموضوع. وقد أعجبني تصوير الدكتور عبدالرحمن بدوي في تصويره لبعض هؤلاء الحضور في مؤتمر البيروني في طهران فقال: (وكان بين المشاركين في مؤتمر البيروني هذا اثنان من رجال الدين المجوس كانا يلبسان جلبابين أبيضين، وعلى رأس كليهما عمامةٌ بيضاء وكانا لا يُكلِّمان أحداً، بل يَجلسان معاً ويتكلمان معاً، ولم يكن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير