تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أيُّ واحدٍ منهما يعرف غيرَ اللغة الفارسية. ولم ينطقا طوال المؤتمر بكلمة واحدة لا في الأبحاث ولا في التعليقات، أمَّا حين تناول الطعام فقد كانا شديدي التلهف على الأكل ينقضَّان على أطيب ما يُقدَّمُ على الموائد دون أي احتجاز أو استحياء! ولهذا كان الأعضاء يتجنبون الجلوس معهما إلى نفس المائدة، لأنهما لن يبقيا من الطعام لغيرهما شيئاً يذكر!) ينظر: سيرة حياتي 2/ 258 - 260

وأذكر بعض هؤلاء تراه في الجلسات ناعساً سرحاناً حزيناً، فإذا حضر الطعامُ تَهللت أسارير وجهه، وأخذ يبادل الآخرين الابتسامات، ولسان حاله يقول: هذه أفضل فقراتِ المؤتَمر وأمتعها!

الخرَّاجُ الولاج ..

وبعض الحضور تراه يدخل ويخرج أثناء الجلسات فلا يقر له قرار، مرةً يذهب للمكالمة، وأخرى لشرب الشاي، وثالثة لدورة المياه، ورابعة لاستقبال صديق جاء يسلم عليه لم يره منذ عشر سنوات، والبحث يقدم تلو البحث وصاحبنا في عالم آخر، وسألتُ أحد الأصدقاء يوماً عن سبب عدم جلوسه للاستماع - ولو مجاملةً - فقال: أنا أعمل بقوله تعالى: (((فاقرأَوا ما تَيَسَّرَ منهُ)))! فضحكتُ وسكتُّ، وقد يكون لضعف عرض الباحثين دور في هذا التسرب أثناء الجلسات، ولكنَّ الذي أحبه لنفسي ولغيري الالتزام بالحضور، والإصغاء للباحثين، والمشاركة في إنجاح الجلسات بإبداء الآراء والتعقيبات المركزة النافعة حتى يكون هناك مشاركة إيجابية في المؤتمر.

الهاتف الجوال مُعكِّر صفوِ الجلسات ..

أصبح الهاتف المحمول الجوال مشكلةً في جلسات المؤتمرات، ينشغل به الكثير من الحضور عن الإنصات والهدوء النفسي أثناء الجلسات، فتجد نغمات الجوال تفسد بكثرتها وتنوعها أجواء الجلسة، ويشوش على الصوت في المنصات، وتجد بعض الحضور يجيب على الهاتف بصوت مرتفع وربما نسي بعضهم نفسه أثناء الحديث فأخذ راحته واسترسل في الحديث والضحك، والناس في ذهول واستغراب، وبعضهم يشغله الهاتف بقراءة الرسائل وكتابتها، وبعضهم - وهذا من ألطف ما رأيتُ - يفتح لعبةً إلكترونية في الهاتف، ويتسلى بها ريثما تنتهي الجلسة، وكم تَمنَّيت أن تُمنع الهواتفُ المَحمولةُ من الدخول لقاعة المؤتَمرِ، ولكن هذا التصرف سيبدو غير لائق لو تَمَّ عمله، وقد رأيتُ بعضهم من الفضلاء لا شُغلَ له إلا الهاتف طيلة الجلسات، فقلتُ في نفسي: ليته استراح في بيته. ثم عرفتُ فيما بعدُ أنَّ كثيراً من الحضور يَحضرُ من أجل الحضور نفسه والحصول على شهادة حضورٍ في نِهاية المؤتمر، والتقاطِ صورةٍ تذكاريَّةٍ، يضعها في سيرته الذاتية، وربَّما تفيده في الترقية العلميَّة.

بعض صور الصبر ..

حضرت يوماً مؤتمراً طبياً في أوربا فرأيتُ من الانضباط في الحضور ما أذهلني حينها، فقلتُ لدكتور طبيب كان معي: لقد ذهلتُ من حضور هؤلاء وانضباطهم في الحضور أثناء الجلسات. فقال: لقد حضرت مؤتمرات كثيرة في أمريكا وغيرها ورأيتُ ما هو أعجب من ذلك، ورأيتُ يوماً في مؤتمر طبي بروفسوراً في السبعين من عمره لا يفوت أي جلسة في المؤتمر، ويحرص على الحضور في أول الجلسة ولا يغادر إلا بعد الانتهاء تَماماً، وتبين لي فيما بعدُ أنه أحد الحاصلين على جائزة نوبل في فرع من فروع الطب، ورأيتُ آخر لا يترك أي جلسة فلما سألتُ عنه قيل لي إنه عميد كلية في جامعة هارفرد ولا تكاد تميزه عن غيره من الحضور لتواضعه وجديته في الحضور والمواظبة، وهو في منصب علمي رفيع، ودار حديث طويل حول هذه الصور، والصور المؤسفة التي تحدث في مؤتمراتنا من التسرب والتسلل من هنا وهناك.

ويبقى الحديث حول هذه المؤتمرات، وسبل تطويرها حديثاً مفتوحاً ذا شجون، والذكريات فيه كثيرة أرجو أن يكون هذا الموضوع مفتاحاً للأساتذة والزملاء أصحاب التجارب الواسعة في حُضور المؤتَمرات ليعرضوا لنا تجاربَهم، وتوصياتِهم لتجنب السلبيات، وتعزيز الإيجابيات حتى نحررها في ملف متكاملٍ لتكونَ الاستفادة منها في خدمة القرآن وعلومه وبُحوثه خصوصاً على أكمل وجه، وأمثل صفةٍ، ولا سيما أن المؤتمرات تزيد ولا تنقص. والله الموفق.

الرياض في 2/ 8/1431هـ

ـــ الحواشي ـــ

(1) قمتُ بإعادة تحرير ملف هذه الدورة والإضافة عليه لعرضه في ملتقى المؤتمرات والندوات قريباً بإذن الله حتى يُفيد منه المتخصصون في الدراسات القرآنية خصوصاً، وبقية التخصصات الشرعية عموماً.

(2) نشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر في جزئين.

(3) غالب المؤتمرات الفلسفية والتاريخية تدور حول شخصيات فلسفية مؤثرة في التخصص، ولذلك مثل بها هنا.

ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[14 Jul 2010, 05:37 م]ـ

تنبيهات حسنة دقيقة ..

ويضاف عليها:

التكرار والاجترار مع رعاية ما يحصل به الاغترار من الأبواب والفصول والمباحث والمطالب وعلامات التنصيص وسرد المراجع،فيفرح بعض الحضور ويظن أن البحث على شيء لما رأى شروط البحث العلمي مكتملة فيظن أن الباحث صنع شيئاً بينما الباحث تذاكى وبنى سوراً جيداً ليظن المارون أن خلف السور قصراً مشيداً ..

ومما يُغفل عنه:

أن بعضاً مما يقال فيه: ((غير أنَّ الباحثَ لا يُعطيها حقَّها من الرعايةِ والبحث، فيسلق البحث سلقاً، ويتجاوز معاقد كثيرة في البحث كان الأولى به التوقف عندها وإرضاء البحث العلمي في معالجتها، وعدم الاستعجال في ذلك)) = هو شيء أخطأ هذا الواصف في وصفه وإنما هو فكرة حسنة وفتحُ باب للنظر والتأمل، وعرض ما لا يمكن أن يُبلغ به شرط الواصف إلا في سنين، فيأنف الباحث أن يترك فكرته تموت بين جنبيه فيطلب عرضها كي يقدح الناس حولها زنادهم، ووالله إن كثيراً بل أكثر إبداعات السلف ومحققي العلماء إنما يجمعها قول فصل وعبارة محكمة لكنها أحسن من جامعة علمية تصدر رسائل عدة، وبعض ما يُظن قصوره عن البحث المستوفي هو كلام كثير البركة لو طلب سامعه ما تحته من المعاني وتتبع ما وراءه من الإشارات ..

والله الهادي إلى سواء السبيل ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير