تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الطور]

ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 12 - 2010, 04:17 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ):

فنكر تعظيما في معرض الدعاء عليهم ولذلك جاز الابتداء به مع كونه نكرة، فويل عظيم يوم تمور السماء وتسير الجبال، للمكذبين، فلام الاختصاص تزيد معنى النكاية في حقهم، ووصف التكذيب هو علة الحكم باستحقاقهم الويل واختصاصه بهم، فـ: "أل" في المكذبين موصولة باسم وصف يعمل عمل مضارعه، فيؤول الكلام إلى: فويل يومئذ للذين يكذبون، أو للذين كذبوا فـ: "أل" الموصولة تعمل مطلقا، كما قرر النحاة، فتقول: جاء الضارب زيدا أمس، على تقدير: جاء الذي ضرب زيدا أمس، وتقول: جاء الضارب زيدا، على تقدير: جاء الذي يضرب زيدا الآن أو غدا، وإليه أشار ابن هشام، رحمه الله، بقوله: "فإن كان، (أي: اسم الفاعل)، بأل عمل مطلقا ماضيا كان أو حالا أو مستقبلا تقول: جاء الضارب زيدا أمس أو الآن أو غدا، وذلك لأن "أل" هذه موصولة وضارب حال محل ضرب إن أردت المضي أو يضرب إن أردت غيره والفعل يعمل في جميع الحالات فكذا ما حل محله". اهـ

"شرح قطر الندى"، ص267.

وأطلق العامل مئنة من العموم، وهو مخصوص بدلالة العقل بما يقبح التكذيب به من خبر النبوات، فقد كذبوا بالدين، على تأويله بالملة، أو الجزاء، فكذبوا بما قام الدليل النقلي والعقلي والحسي الضروري على صحته، فكذبوا بالرسالة الخاتمة وآيات صدقها ظاهرة بل ومتواترة، لمن نظر فيها بعين الإنصاف والافتقار إلى الرب، جل وعلا، طلبا للتوفيق والسداد، فمن الناظرين من نظر بعين الجحود والاستكبار، فعلم الحق وأعرض عنه فجحوده من جنس جحود إبليس الذي أبى السجود وهو من أعلم الخلق بوحدانية الرب، جل وعلا، وأحدية صفاته العلية، فصدق الخبر ولم يمتثله، بل أبى وأعرض عن امتثاله فقد عارضه بقياسه الفاسد، فلم يغن عنه التصديق شيئا إذ لم يكن متبوعا بالانقياد الباطن وما يتفرع عليه ضرورة من الانقياد الظاهر فسجود الظاهر صورة عملية لما قام بالباطن من العلم الإلهي والانقياد الاختياري تصديقا بالخبر برسم الجزم والإقرار، وامتثالا للحكم بإقامة شعائر العبودية الباطنة من خشوع وخضوع ........ إلخ، ومنهم من نظر بعين التكذيب برسم التقليد الأعمى، ومنهم من نظر بعين القدح فغرضه تتبع المتشابه دون رده لمحكمه بل الترويج له في معرض زعم تناقض الشريعة!، فأنى يهدي الرب، جل وعلا، أولئك، وقد علموا فلم يعملوا، أو أعرضوا اشتغالا بتحصيل شهوات خسيسة تشي بدناءة نفوسهم فأصحاب النفوس الشريفة لا يقنعون في أمر الديانة بمحض التقليد لرءوس ضلالة لا تملك على صحة مقالتها دليلا سالما من المعارضة من نقل النبوات الصحيح أو قياس العقول الصريح، فليس ثم إلا الإرهاب الفكري والبدني لحمل الناس حملا على دخول الملكوت الرباني!.

الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ: ثم جاء الإطناب في بيان وصفهم فذلك من قبيل الجواب عن سؤال دل عليه السياق اقتضاء، وما وصف أولئك؟!، فجاء الجواب على جهة التعريف بالموصول مئنة من العموم، أيضا، فالحكم معلق بوصف لا بعين، فعادة الشارع، جل وعلا، تعليق الأحكام على أوصاف عامة تصدق في أعيان كثيرة، فذلك مئنة من عموم الشريعة الخاتمة فأحكامها تشمل سائر الأحوال والأزمان لمكان العالمية والختام، فلا رسالة بعدها يحال الأمر إليها، ولا أخرى تشاركها البيان، فهي الرسالة العامة التي جمعت خلاصة ما تقدمها وزادت عليه في الخبر والحكم، فصدقت خبر ما تقدمها، فأخبار النبوات لا تتناقض، فلا يجري عليها ما يجري على الأحكام من النسخ، فرسم رسالة المسيح عليه السلام: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)، ورسم النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، ورسم الكتاب الخاتم:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير