تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من وصف الحياة الدنيا في التنزيل]

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 12 - 2010, 04:13 ص]ـ

من قوله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ):

فذلك من استيفاء شطري القسمة العقلية في معرض بيان حال الدور، فدار الدنيا ما هي إلا لعب ولهو، وذلك، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، من قبيل القصر الإضافي إمعانا في تقرير المعنى، فما هي إلا لعب ولهو، فالأول من قبيل المزاح ومغازلة النساء فليس فيه إلا الترويح عن النفس، والثاني من قبيل الصيد ففيه نوع فتوة، وإن لم يخرج عن حد الترويح الذي يقبح الاشتغال به على الدوام، فلا يحسن إلا إن كان مباشرة لمباح على جهة ما أثر عن علي رضي الله عنه: "روَّحوا عن القلوب ساعة، فإنها إذا أكرهت عميت"، فلا يكون عادة مطردة تنفق فيها الأعمار والأموال، بل يكفي العاقل منه ما يكون من توسع لا على جهة الإسراف والتبذير الذي يورث النفس ترفا والقلب قسوة وغلظا، بل على جهة الاستجمام والترويح عن الأهل، فذلك مما يؤجر عليه العبد فيحسن أن يداعب أهله وولده لا على سبيل الإفراط الذي يسقط الهيبة، فلا يحسن الانقباض فذلك مما يورث بين الرجل وأهله وحشة وجفوة تصير الحياة ضنكا، بل الصحيح امتثال وصف الرجال في مأثور كلام ابن عمر رضي الله عنه: إنه ليعجبني أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي، ثم إذا بُغي منه وُجِدَ رجلاً. ومأثور حال زيد بن ثابت، رضي الله عنه وهو من هو في الجد والحزم وحسبك أنه قد كلف بجمع التنزيل، فـ: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في بيته، فإذا خرج كان رجلاً من الرجال.

فدين الإسلام، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، دين جاد فيه شيء من الترفيه والترويح الذي لا يراد لذاته وإنما يراد لتنشيط العقل فيرتاح ليعاود الفكر كما يرتاح الجسد ليعاود العمل، فليس دين ترفيه فيه شيء من الجد، كما يغلب على أهل الهزل ممن تميع الهمم بصحبتهم.

فأين تلك الحال من حال أغلب البيوتات التي افتقدت المحبة، بل والرحمة في كثير من الأحيان، فعلام تقوم؟!، فإن لم تكن عشرة بمحبة فلا أقل من عشرة بمعروف، برسم: "فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها"، وليس في زماننا محبة، وإن ادعاها من ادعاها من المحبين!، فالمحبة قد صارت في زماننا أثرة فكل يروم حظه من الآخر، فإن استنفده فلا حاجة له فيه!، بل وليس في زماننا رحمة، فالرحمة لا تكون إلا دينا، والأديان قد رقت في زماننا، فليس ثم وازع شرعي يولد في القلب رحمة، بل وليس ثم دافع طبعي من حب حقيقي، فليس ثم إلا صور زائفة من حب ورحمة ينتحلها أصحاب الدعاوى الإنسانية الكاذبة، فالحب قد صار في عرف كثير من البشر حظ جسد يباشره مبتغيه برسم الحيوانية فليس ثم غرض إلا استيفاء حظ النفس وإرواء غليل الشهوة فكل يبغي تحصيل بل استيفاء بل افتكاك حظه من الآخر، فهو أشبه ما يكون بصراع تنتزع فيه اللذات انتزاعا وليس ذلك من طبائع بني آدم في شيء، فضلا عن طبائع أهل الديانة، فـ: "إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها ثم إذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها" فتلك معان رفيعة تضفي على الشهوات المحسوسة أوصافا محمودة، فغنيمة باستيفاء حظ النفس وإيناس الأهل واستيلادهم الذرية فهي من أعظم الزينة، وأجر مع ذلك لمن صحح النية فصارت العادة بل الشهوة في حقه قربة!، فـ: "في بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"، وليس ذلك في زماننا معهودا بل لعله لا يكون معروفا!، لا سيما مع غلظ الطبع الذي اعتاد مباشرة شهواته برسم الحيوانية فافتكاك الحظوظ العاجلة هو العرف المعهود في زماننا فالخارج عنه خارج عن الجماعة فهو من جملة الخوارج!، وما ذاك إلا لتعلق النفوس بزينة الدنيا فهي معقد الولاء والبراء الأول وربما الوحيد!، وما سوى ذلك فهو رسم الغرباء في زمان الغربة، فليس للغريب حاجة في شيء يَرتحل أو يُرتحل عنه عما قريب، بل السلامة أخذ الكفاف الذي يبلغ السالك مأمنه، فتلك نصيحة أصدق وأخلص وأفصح البشر صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير