تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من آيات المحبة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 12 - 2010, 03:01 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ):

فقدم الخبر: "من الناس" على القول بأن الظرف هو الخبر، فيكون ذلك من قبيل تقديم المسند مئنة من التشويق، فالمذكور بعده عجيب، حتى صح الإخبار عن فاعله بأنه من الناس احترازا من أن يظن بأنه بتلك الأفعال العجيبة قد حرج عن حد الآدمية فلا يتصور صدور هذه الأفعال من إنسان، ولكنها قد صدرت بالفعل فهو من جملة الناس مع عظم الجرم وغرابة الفعل وذلك وجه أشار إليه صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، على تفصيل.

فـ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ:

والاتخاذ مئنة من التكلف ففعلهم هذا مناف للفطرة التوحيدية الأولى، فـ: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، وذلك يقتضي بداهة ألا يتخذ الإنسان ندا لله، جل وعلا، في العبودية عموما، وفي المحبة خصوصا، فذكرها تنويه بصفات جمال الرب، جل وعلا، فالنعم الشرعية والكونية من آثارها، وأعظمها، كما تقدم مرارا، نعمة النبوة، فإنها معدن السعادة في الأولى ومعدن النجاة في الآخرة، فبها صلاح الدين والدنيا، وهي، أي النبوة، من وجه آخر، الطريق الوحيد الموصلة إلى معرفة صفات الرب، جل وعلا، لا سيما صفات الجمال فآثارها ذريعة إلى إفراده، جل وعلا، بالمحبة، فـ: من عرف ربه أحبه ومن أبصر الدنيا زهد فيها والمؤمن لا يلهو حتى يغفل وإذا تفكر حزن، كما أثر عن الحسن، رحمه الله، فذلك من الشرط الذي يفيد العموم، فلا اختصاص لإنسان دون آخر به، وإن كان بعضهم قد فتح له ما لم يفتح لغيره فعرف من كمال ربه، جل وعلا، ما زادت به معرفته، فهو معنى تتفاوت رتب البشر فيه تفاوتا لا يحصيه إلا الرب، جل وعلا، فالأنبياء عليهم السلام وأتباعهم أعظم الناس منه حظا، وأعداؤهم من عباد الأوثان والصلبان والتماثيل بل وجنس الحيوان! أشد الناس منه فقرا، فبقدر الاقتراب من علوم النبوات تعظم المعرفة فيتولد الحب لزوما، فإن النفس تجنح ضرورة إلى محبة من كملت ذاته وصفاته، ولا أكمل من ذات الرب، جل وعلا، فله الأولية أزلا برسم الكمال، فهو الصمد الذي لا يفتقر إلى أحد، بل كل ما سواه إليه مفتقر، فهو صمد في ذاته لا يأكل ولا يشرب، فتفسير الصمدية بذلك من باب تفسير عموم الغنى بفرد من أفراده وهو الغنى عن السبب الخارج من مطعوم أو مشروب، فذلك إنما يفتقر إليه المخلوق الحادث فقد كان عدما فافتقر إلى الموجد، وذلك، أيضا، مما يولد في نفسه محبة موجده، جل وعلا، فهو الذي قدر وجوده في الغيب بعلمه، وبرأ نسمته في الشهادة بقدرته، وصوره على أكمل صورة وهيئة بحكمته، فـ: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ): فتوجه النداء بـ: "يا" فهي مئنة من عظم شأن المنادي، جل وعلا، وغفلة المنادى لقرينة السياق، فالاستفهام توبيخي لمن خدع بإمهال الرب جل وعلا فتجرأ على عصيانه والسياق المقالي والحالي يرجح حمل "أل" في "الإنسان" على العهد الذهني فتشير إلى معهود بعينه هو الكافر أو العاصي فالمقال: توبيخ، والحال: خطاب أهل مكة فالسورة مما نزل بها وقد كانت آنذاك دار كفر فحال أهلها الغالبة قبل الفتح: الشرك فما غرك بربك الكريم؟!، فالتذييل بوصف الكرم مئنة من لؤم المغرور بحلمه، جل وعلا، فـ:

إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيْمَ مَلَكْتَه ******* وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمرَّدَاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير