تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)، فاللاحق يصدق خبر السابق، وكلهم قد استقام على طريقة الصدق في البلاغ والدقة في الأداء فلا يتصور في حقهم كذب أو خطأ في البلاغ، فـ: (لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)، فذلك من الوعيد في معرض تقرير جزاء التبديل فلا يلزم منه وقوع التبديل من النبي، بل ولا جوازه، بل هو، بداهة، من الممتنع عقلا وشرعا، فتجويزه في حق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في معرض بيان الجزاء المشروط بوقوع شرطه، فذلك آكد في تقرير المعنى، تجويزه على هذا الوجه، محض فرض عقلي، فلو سلم جدلا للمخالف بوقوع ذلك منه لناله من الجزاء ما ناله!، فكيف بمن دونه، فيكون ذلك من قبيل قياس الأولى في معرض الزجر عن التقول على الوحي، فإذا كان ذلك جزاء النبي، وهو من هو!، إذا كان ذلك جزاءه فكيف بمن دونه من آحاد المكلفين وليس لهم من الكرامة ما له؟!، فثبوت الوعيد في حقهم حاصل من باب أولى، فخطاب المواجهة يتعلق به صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المبلغ عن ربه، جل وعلا، ولو كان كاتما شيئا من الوحي لكتم آية كهذه، ففيها ما قد يوحي به الشيطان إلى أوليائه من شبهة القدح في صدق الرسول وصحة الرسالة لزوما، فإذا جاز الكذب والتقول على صاحب الرسالة سقط الاحتجاج بها بداهة، ولذلك كان الصدق في كلام الناس قبل البعثة فلا ينطق النبي إلا صدقا، والأمانة فلا يخون الأنبياء أمانات الدنيا، فرسمهم الصدق والأمانة، كان ذلك دليلا عقليا صريحا لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ: على صدق الرسول بعد البعثة، فلا يتنزه عن الكذب في كلام البشر ليتقول على رب البشر!، فذلك من المحال نقلا وعقلا، وسنة الرب، جل وعلا، في هذه الدعوى العظيمة أن يدعيها أصدق البشر فـ:

لو لم تكن فيه آيات مبينة ******* كانت بديهته تأتيك بالخير

أو أكذبهم، ولا يسوي الرب، جل وعلا، بينهما، فذلك طعن في الحكمة الربانية بالتسوية بين أعظم متباينين، فكيف يصح في الأذهان، ولو في أمور الدنيا، التسوية بين الصادق والكاذب، بل قد جرت العادة بافتضاح أمر الكاذب فلا بد أن يتناقض فيقع في كلامه من الاختلاف ما يشي بكذبه فـ: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، فيفتضح أمره، ولو بعد حين، ولو في أمر في أمور المعاش المؤقت، فكيف بأمر الرسالة الذي يتوقف عليه أمر المعاد الأبدي، وقد وقع ذلك لجملة من المكذبين من لدن مسيلمة إلى يوم الناس هذا، فقد يروج الأمر وينتشر، لا سيما في الأعصار والأمصار التي تندرس فيها آثار النبوات، ثم يأتي البيان الجلي لكذب المتقول على الرب العلي، وإلى هذا المعنى أشار ابن تيمية، رحمه الله، في "شرح العقيدة الأصفهانية" بقوله:

"ومعلوم أن مدعي الرسالة إما أن يكون من أفضل الخلق وأكملهم وإما أن يكون من أنقص الخلق وأرذلهم ولهذا قال أحد أكابر ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغهم الرسالة ودعاهم إلى الإسلام: والله لا أقول لك كلمة واحدة إن كنت صادقا فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أرد عليك، فكيف يشتبه أفضل الخلق وأكملهم بأنقص الخلق وأرذلهم وما أحسن قول حسان:

لو لم تكن فيه آيات مبينة ******* كانت بديهته تأتيك بالخير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير