تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من حديث: "المسلم من سلم المسلمون .......... "]

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 12 - 2010, 04:20 ص]ـ

من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه":

فالمسلم الذي سلم له دينه برسم الكمال الواجب: من سلم المسلمون، فالجناس الاشتقاقي يزيد المعنى تقريرا في الذهن، فهو دائر حول معنى السلامة، فيسلم المسلمون من أذاه بالقول والفعل، والسياق جار مجرى الحد الشارح لحقيقة الإسلام، فـ: "أل" في "المسلم": جنسية لبيان الماهية، فماهية المسلم هي: من سلم المسلمون ...... إلخ، والمعرَّف المطلق مما يرد عليه القيد لقرينة العقل، فهي قرينة خارجية، إذ ليس حد الإسلام بالنظر إلى أصله: سلامة المسلمين من أذى اللسان واليد، فتلك شعبة من شعب الإيمان الذي يرادف الإسلام حال الافتراق، فهو من أعمال الإسلام الذي لا يكمل إلا بها، وإن صح بدونها، بالنظر إلى أصله الأول الذي يحصل بحصول مطلق الإيمان، فيصح عقد القلب العلمي ويقوم به من عمل الباطن ما لا يتصور حصول النجاة إلا به، ويقوم باللسان عقد الإيمان اللفظي، ويقوم بالجوارح جنس العمل التكليفي، وإن وقع فيه النقص، فلا ينفك الإسلام، وإن كان صاحبه متوعدا، لا ينفك عن تصديق الجوارح بأعمالها للقلوب بأحوالها، فـ: "الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" فذلك تعريف ثان جاء أيضا على وزان الحد الشارح، فسأل جبريل عن ماهية الإسلام، فجاء الجواب: "أن تشهد أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، وبقدر تصديق الجارحة يكون كمال الإسلام، فيزيد وينقص من هذا الوجه، وإن لم يتصور ذلك بالنظر إلى أصله الذي يثبت به عقد الإسلام فمبنى الشهادة التي يصير الإنسان بنطقها مسلما معصوم الدم والمال، لا تفاوت في نطقه، وإن وقع التفاوت في أصله الباطن وأثره الظاهر على اللسان والجوارح، فيتفاوت الناس في أعمال الإسلام، كمالا ونقصانا، تفاوتا لا يحصيه إلا الله، جل وعلا، ومنها أعمال الفعل، كما في حديث أركان الإسلام، وأعمال الكف كما في هذا الحديث، فللإسلام أصل بينه حديث جبريل عليه السلام، فعرف الإسلام بأركانه، فذلك من قبيل حد الشيء بأجزائه الرئيسة التي لا قوام له إلا بها، فهي مبانيه الرئيسة، وللإسلام فروع بينتها نصوص أخرى، فجاء لحديث جبريل ألفاظ زيد فيها بعض الفروع، فـ: "تغتسلَ مِنَ الجَنابةِ، وأنْ تُتمَّ الوُضوء"، كما في زيادة عند ابن حبان رحمه الله أشار إليها ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم"، فالغسل من الجنابة من فروع الديانة، وإن كان واجبا لا تستباح الصلاة إلا به، فتتفاوت منزلته بتفاوت الأنظار، فمن نظر إلى أصل الدين أخرجه، ومن نظر إلى كمال الديانة الواجب الذي لا يخرج المكلف عن حد الوعيد إلا به، فهو داخل فيها، بل هو، كما تقدم، شرط رئيس في استباحة أعظم الأركان العملية، فالنصوص إذا جمعت أبانت عن ثلاث مراتب كما أشار إلى ذلك ابن رجب رحمه الله:

فأولها: الإسلام حكما وذلك يتحقق بالنطق بالشهادة فيحكم لقائلها بالإسلام.

وثانيها: الإسلام حقا وذلك يتحقق باستيفاء الأركان العملية التي وردت في حديث جبريل عليه السلام، فيكون صاحبها مسلما معه مطلق الإيمان العلمي، وظاهر الإسلام التكليفي، فقد خرج عن حد الوعيد بالعذاب المؤبد، ما لم يأت بناقض قلبي أو قولي أو عملي من نواقض الإسلام، فثبت له عقد إسلام صحيح يخرج به عن حد الكفر والنفاق، ولم يثبت له مع ذلك عقد إسلام منج من مطلق الوعيد فقد يلحقه الوعيد بالعذاب المؤقت إن أخل بعمل من أعمال الإسلام الواجبة: فعلا أو تركا، كما في هذا الحديث، فإنه يدل على فعل من أفعال التروك، فالمسلم الذي كمل إسلامه فخرج بذلك عن حد الوعيد هو من ترك أذى الناس بلسانه أو يده فسلموا من شره، فذلك من جنس نفي الإيمان في نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه"، فذلك، أيضا، من نفي الكمال الواجب لا الأصل الثابت، فمن لم يترك أذى جاره فإيمانه ناقص، وإن لم ينتف ما لم يأت بناقض من نواقضه، على غرار ما تقدم من انتفاء

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير