تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لأفادت بظاهرها أنها دكة واحدة ولكن ذلك من دلالة الظن التي تحتمل، فقد يكون اللفظ دليلا على الجنس المطلق فلا يدل على عدد بعينه، بل دلالته على التكثير أظهر، وذلك ضد المراد، فهي، كما تقدم، دكة واحدة لا غير، فحسن مع قيام هذا الاحتمال، ولو قياما مرجوحا، حسن التقييد بوصف: "واحدة"، فهو رافع لاحتمال الإجمال الظني، قاض ببيان القيد القطعي الذي أزال الإشكال من كل وجه، فدل على عدد بعينه هو نص قاطع في الدلالة على معناه فلا يحتمل غيره ولو احتمالا مرجوحا، فالواحد: واحد بداهة فلا يحتمل اثنين أو ثلاثة ..... إلخ.

وتلك من بلاغة التنزيل، فإن التقييد قد يحسن حيث يرد الإشكال بورود الاحتمال إذا أطلق اللفظ، فلا تعلم دلالته يقينا حتى يرد القيد الرافع لإجماله، وهو إما أن يكون:

متصلا به في سياقه كـ:

الوصف المعنوي: كما في قوله تعالى: (فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ)، فأفاد التقييد بوصف الإيمان الذي اشتقت منه الصفة المشبهة: صلة "أل"، فهي، كما تقدم، مظنة التعليل، فبها يناط الحكم، أفاد ذلك التقييد بمنطوقه: إباحة نكاح الإماء المؤمنات إذا لم يجد الناكح مؤنة المؤمنة الحرة، وأفاد بمفهومه: تحريم نكاح الإماء الكافرات أيا كان دينهن، ولو كتابيات يجوز نكاحهن إن كن حرائر، فالأمة الكافرة لا يطأها المؤمن، إن وجدت!، إلا برسم ملك اليمين.

أو العددي .... إلخ، كما في آية الدك السابقة: (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً).

وإما أن يكون منفصلا:

فيأتي في سياق آخر من السنة فهي تقيد مطلق الكتاب، كما في تقييد قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)، بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا"، فذلك قيد أول من جهة النصاب الذي يستوجب الحد، وفعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقطع اليد من مفصل الكف، فذلك قيد ثان أبان عن القدر المقطوع من اليد فإطلاقها مجمل يفتقر إلى بيان القدر في أحكام كالوضوء أو التيمم أو الحد قطعا .... إلخ، فحصل القيد بالقول من وجه، وبالفعل من آخر.

أو من التنزيل كما في حمل مطلق الرقبة في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)، على قيد الإيمان في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)، خلافا للأحناف رحمهم الله، فالأصل في نصوص التنزيل التسوية بين المتماثلين، فالحكم واحد وإن اختلف السبب، فذلك مظنة التماثل في القدر والوصف، فيكون التفريق بين عتق رقبة في كفارة القتل، وعتق أخرى في كفارة الظهار يكون: تفريقا بين متماثلين، وذلك مما لم يعهد في خطاب الشارع، عز وجل، فهو خطاب محكم جار على أصول القياس الصريح، فلم يأت التنزيل بما تمجه العقول: خبرا أو حكما، فأخباره، كما تقدم مرارا، أصدق الأخبار، وهي إما أن تكون واجبات ثبت وجوبها بالعقل الصريح، ولو إجمالا، كإثبات كمال الرب، جل وعلا، ذاتا وأوصافا، فيأتي الوحي ببيان هذا الواجب المجمل الثابت ببدائه العقول والفطر التي أخذ عليها الميثاق الأول فما تجده من ميل إلى التوحيد ومسارعة إلى تصديق خبره وامتثال حكمه دون كلفة عقلية يتجشم العقل فيها عناء التصديق بالمحال الذي تنكره بدائه العقول وتنفر منه بدائه الفطر، أو يعطل برسم التسليم المطلق الذي يدل على رسوخ إيمان صاحبه!، ولو بمحال لا يتصوره العقل ابتداء ليحد له حقيقة ولو ذهنية يمكن التصديق بها، فغايته أن يكون فرضا عقليا محضا يبتكره عقل ضال بما ألقي إليه من هاتف شيطاني بوسواس صادف في نفسه نازع شر وفتنة، فأحدث في الديانة مقالة لا سلف له فيها إلا أعداء النبوات ممن عارضوا أصولها التوحيدية بأخرى شركية أو وثنية، ويزداد الأمر سوءا، بافتراء الكذب على الرب، جل وعلا، بنسبة هذه المقالات الردية إلى الرسالات السماوية: معدن التوحيد والتنزيه، فتصير معدن التشريك والتنقيص للرب، جل وعلا،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير