تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الواحد في ذاته الأحد في صفات كماله فلا خلق يدانيه أو يماثله في حقيقة كماله، وإن حصل الاشتراك في المعاني في الذهن في معاني صفاته القدسية فذلك لا يوجب، كما تقدم مرارا، حصول الاشتراك في الحقائق في الخارج فلا حقيقة كحقيقة ذات ووصف الرب، جل وعلا، فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فلا يتصور في حقه ما تصوره أصحاب المقالات الباطلة من حلول أو اتحاد بذاته أو وصفه في كائن أرضي حادث، ولو شريف القدر عظيم الشأن، فلا محل في هذا الكون يحتمل آثار جلاله، فقد تجلى للجبل فتدكدك، فكيف بذاته القدسية وصفاته العلية لو امتزجت بخلق من خلقه مع ما يلزم من ذلك من معان تنفر منها الطبائع السليمة فورود عوارض النقص الجبلي على الرب العلي، عز وجل، محال آخر من جملة المحالات في تلك المقالات الباطلات، بل في دار النعيم، وهي أكمل الدور حالا ومآلا، يرى المؤمنون ربهم بلا حلول أو اتحاد بداهة!، بل بلا إحاطة بوصف كماله فـ: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، وإن كانت تراه رؤية تنعم، فالجهة منفكة، فرؤية الإحاطة منفية فلا يحيط بكماله، جل وعلا، إلا هو، والعقول تحار في كنه ذاته ووصفه في هذه الدار، فإذا رأته العيون في الآخرة حصل للعقول تأويل ما آمنت به من الغيب في الأولى، وهي مع ذلك ما زالت في حيرة!، فلن تحيط بكماله فذلك من المحال في الأولى والآخرة، فلا يطيق البصر مهما عظمت قوته، ولا يطيق العقل مهما اتسعت مداركه، لا يطيقان الإحاطة بوصف الرب، جل وعلا، فلا بد من قدر يعجزان عن بلوغه فبه يحصل كمال التعظيم للرب الجليل، تبارك وتعالى، وبه يكون الفرقان بين وصف البشر الذي يحيط العقل به، جملة وتفصيلا، ووصف رب البشر، جل وعلا، الذي يجد الخلق آثاره في عالم الشهادة، جلالا فـ: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، وجمالا فـ: (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فيدركون معانيه في الذهن، ويعجزون عن درك حقائقه في الخارج، ثم هم في دار المقامة: يدركون بحاستهم البصرية الظاهرة وحاستهم العقلية الباطنة طرفا منه، فلا طاقة لهم في الدارين بدرك حقيقة كماله الذاتي والوصفي على جهة الإحاطة، فلا يحيط بكماله، جل وعلا، إلا هو، فأعظم البشر، بل والخلق، صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يحصي ثناء عليه في الأولى، فيفتح الله، عز وجل، عليه في الآخرة بـ: "محامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي"، وهو، مع درجته الرفيعة ورتبة المنيفة، فهو أعلم الخلق بالرب، جل وعلا، مع كل ذلك، لا يحيط بكمالات الرب، جل وعلا، فلا علم له إلا بما أوحي إليه، فـ: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)، فذلك من تعظيم قدر الوحي فبه ثبت رسم العصمة لصاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو معدن السلامة في أخباره الصادقة وأحكامه العادلة، ومع تلك العصمة الكاملة، فإنه لا يعلم الغيب إلا ما شاء الرب، جل وعلا، إطلاعه عليه من الغيوب الماضية أو الحالية في زمانه أو الآتية بعده برسم: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)، فبه حصل الإعجاز الخبري في التنزيل الإلهي، وذلك من أظهر دلائل النبوة لا سيما في زماننا، فإذا كان مع كل ذلك العلم وتلك العصمة لا يعلم من الغيب إلا ما قد علمه الرب، جل وعلا، فلا يعلم الغيب المطلق الذي استأثر به الرب، جل وعلا، وأعظمه: العلم بحقائق الإلهيات ذاتا ووصفا، فلم ير أحد الرب، جل وعلا، على خلاف في هذه المسألة فقد ثبت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مطلق رؤية في ليلة المعراج فقيدها الجمهور برؤية القلب جمعا بين النصوص النافية لرؤية البصر والمثبتة فحملت على رؤية البصيرة لتتسق أدلة الباب فإعمالها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير