تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإسلام بالإتيان بناقض من نواقضه، فالباب واحد، إذ قد افترق الوصفان، فدل كل منهما على نفسه: مطابقة، وعلى الآخر: تضمنا، فيتضمن الإيمان: أعمال الإسلام الظاهرة إذا أفرد بالذكر، فيصير ترك إيذاء الجار مئنة من كماله الواجب، وإن كان ذلك من عمل الظاهر، والإيمان ينصرف ابتداء إلى عقد الإيمان وعمل القلب الباطن، ويتضمن الإسلام: أعمال الإيمان الباطنة إذا أفرد بالذكر، فيصير التوكل مئنة من صحته، فلا يتصور إيمان أو إسلام بلا توكل على الرب، جل وعلا، وإن تفاوتت مراتبه، فلا بد من قدر يقر في القلب، يحصل بقراره معنى الإيمان أو الإسلام وإن لم يحصل كماله، فيصير التوكل من الإسلام، وإن كان ذلك من عمل الباطن الذي لم يحد به الإسلام في حديث جبريل عليه السلام، والإسلام ينصرف بداهة إلى عمل الظاهر المسبوق بأصل الإيمان تصورا وتصديقا، فحصل التداخل بين معاني: مطلق الإيمان الذي لا تصح ديانة إلا به، فهو أصل الإسلام الذي يحصل بانضمام جنس العمل إليه، وإن لم يستوفه صاحبه، فيصير مسلما متوعدا بالعذاب المؤقت لتفريطه في عمل واجب، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وهو أصل الإيمان الذي ينضم إليه جنس القول والعمل فيصير صاحبه مسلما، كما تقدم، فإن قصر في واجب، صار مسلما متوعدا، أو مؤمنا ناقص الإيمان، أو مسلما ناقص الإسلام فيتصور طروء وصف النقصان على الإسلام من هذا الوجه، فهو يرادف الإيمان حال الافتراق، كما تقدم، ومعناه يقبل الانقسام في الذهن فمنه:

أصل لا يصح بل لا يوجد إلا بوجوده، فلا يتصور إيمان بلا تصديق باطن هو أصل الإيمان وأصل الإسلام الذي يلتحق به حال الترادف، بل لا يتصور الإسلام وإن اقترن بالإيمان في الذكر، فاختصاص الإسلام بعمل الظاهر حال اقترانه بالإيمان لا يجوز حصول إسلام مرضي بلا تصديق باطن، فالتصديق الباطن أصل لكليهما، وبذلك حصل التمايز بين المسلم والمنافق، فكلاهما يأت بالظاهر شهادة وعملا، ولكن المسلم يمتاز بمواطئة الظاهر للباطن فيصدق ظاهره العملي باطنه العلمي، وأما المنافق فيكذب باطنه العلمي فهو مكذب جاحد، يكذب باطنه ظاهره العملي الذي يستر به حاله الردية فتجري عليه أحكام الشريعة عصمة للدم والمال وحسابه على ربه، جل وعلا، إلا إن أظهر من أمارات النفاق الباطن ما تثبت به زندقته فيحل دمه وماله لمن له استيفاء الحدود من أصحاب الولايات العامة، إن كان ثم في القلوب غيرة على الدين وأهله!.

فمنه الأصل، ومنه الحقيقة التي تتفاوت كمالا ونقصانا بتفاوت شعبها ومبانيها، فيتفاوت الإسلام بتفاوت مبانيه بل قد وقع الخلاف، كما تقدم مرارا، في كفر تارك مبنى الصلاة، ولو كان مصدقا متكاسلا، فلم يتركها تكذيبا وجحودا، ويتفاوت الإيمان بتفاوت شعبه، فـ: "الإيمانُ بِضعٌ وسَبعونَ، أو بضعٌ وستُّون شُعبة، فأفضلُها: قولُ لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمان"، فحد الإيمان بعد أجزائه، فذلك نوع من الحدود الشارحة، ثم ذكر أعلاه وأدناه، فأبان عن حقيقته بذكر بعض أفراده في معرض التمثيل لا الحصر، فبها حصل البيان لحديه: الأعلى والأدنى، فذلك جار مجرى التعريف بالمثال، فحصل التصور لعموم معنى الإيمان بذكر خصوص حديه: الأعلى والأدنى. وأما في حديث جبريل عليه السلام فقد حصل الحد بالأركان الرئيسة، فذلك نوع ثالث من الحدود الشارحة ولكل وجه، وللإسلام منها حظ فتتنوع حدوده، أيضا، كما يأتي بيانه إن شاء الله.

ومنه الكمال الواجب، فـ: "المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم" فحصل أيضا بالجناس الاشتقاقي مزيد بيان لمعنى الإيمان الجامع، فذلك من جنس تعريف المسلم في هذا الحديث: "المسلم: من سلم المسلمون ........ "، فنظر إلى معنى الأمن الذي يطمئن به القلب، فذلك أمن المؤمن في نفسه، ومن ثم يُؤْمن شره فذلك أمنه في غيره، وخصت الدماء والأموال بالذكر لعظم تعلق النفس بها وإن لم يخص المعنى العام بها فيأمنه الناس على الدماء والأموال والأعراض ....... إلخ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير