تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومنه الكمال المستحب: فـ: "أي الإسلام خير، قال: أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"، فذلك من جنس تعريف الإسلام ببعض شعبه، فإطعام الطعام وإفشاء السلام في جملته: مستحب يزيد الإيمان والإسلام فيترقى صاحبه في معاريج الكمال، وإن لم يتوعد بتركه، وهو مع ذلك، مذموم في أحكام الدنيا بهجره، فمن خوارم المروءة ما يكون مباحا لا يلام صاحبه شرعا وإن توجه إليه اللوم عرفا، فيقبح إمساك المال فلا يبذل في الإطعام برسم الإحسان إلى المسلمين وصلة إخوة الدين، ويقبح إمساك السلام فلا يبذل برسم تأليف القلوب.

فيقبل الانقسام في الذهن، كما تقدم، ويقبل التعدد في الخارج فمنه إيمان زيد وإيمان عمرو، أو ما يرادفه من إسلام زيد وإسلام عمرو ...... إلخ، فتتفاوت حقيقته في الخارج بتعدد الأعيان، فلكل إيمان يخصه، فبقدر سيره على منهاج النبوات يكتمل المعنى العلمي في قلبه بتصديق خبر الوحي، ويكتمل المعنى العملي في لسانه وجوارحه بامتثال حكم الشرع، فلا يكتمل الإسلام والإيمان إلا بتلقي مادة العلم والعمل من مشكاة النبوات، فهي، كما تقدم مرارا، معدن صلاح الأديان والأبدان، ومعدن كمال العلوم والأعمال، فعلومها أنفع العلوم، وأعمالها أصح الأعمال، وكتابها الخاتم: أصح كتاب، فـ: (إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، فذلك خبر أول بالصفة المشبهة: "عزيز"، فهو عزيز بحججه الباهرة التي تدحض شبهات المخالفين، ففيه: (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، ففيه الهدى العلمي الخبري، والبينة العقلية الصريحة، فأدلته: خبرية صحيحة وعقلية صريحة، وحصل التوكيد للمعنى بجملة من المؤكدات اللفظية، المؤكد الناسخ واسمية الجملة واللام المزحلقة، ثم جاء الخبر الثاني برسم النفي، ففيه نوع بيان لوجه من وجوه العزة المتكاثرة، فاستعيرت صورة الإتيان المحسوس من الأمام ومن الخلف لصورة ورود الشبهات الداحضة، فهي بمنزلة العدو الذي يحتال لينال من عدوه، فيأتيه من الأمام ومن الخلف فلا يقدر على إتيانه لمنعة حصونه ويقظة جنوده، فحصون الرسالة منيعة وجندها من العلماء الربانيين لم تلن عزائمهم في كف أعداء النبوات عن القدح والتشكيك في الآيات البينات، والمضارعة مئنة من التجدد والاستمرار، إذ الله تعالى لم يخل زمانا من قائم لله بنصر دينه ودفاع من يكيده عنه كما ذكر ذلك الهروي، رحمه الله، في "ذم الكلام وأهله"، فضلا عن تكرار أداة النفي فذلك من التوكيد بالإطناب تكرارا للمبنى فبه يتوسل إلى تقرير المعنى، فلا يأتيه جنس الباطل وأنواعه، فـ: "أل" جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فلا يأتي الباطل أخباره فإسناده متصل إلى السماء، وبرسم العصمة قد نزل، وبحفظه الرب جل وعلا قد وعد، فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، ولا يأتي الباطل أحكامه فهي أعدل الأحكام بشهادة من تجرد فنظر بعين الإنصاف فلا شريعة من السماء نزلت أو في الأرض حدثت تدانيه، وعلى خيرة الخلق صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد نزل، فبه ختم الوحي، فـ: "الكتاب الذي أرسل به أشرف من الكتاب الذي بعث به غيره، والشريعة التي جاء بها أكمل من شريعة موسى وعيسى - عليهما السلام - وأمته أكمل في جميع الفضائل من أمة هذا وهذا. ولا يوجد في التوراة والإنجيل علم نافع وعمل صالح إلا وهو في القرآن مثله وأكمل منه , وفي القرآن من العلم النافع والعمل الصالح ما لا يوجد مثله في التوراة والإنجيل". اهـ من كلام ابن تيمية رحمه الله.

ومن رام التشكيك في آيه فقد جاء بصور متهافتة تدل على عجمة في اللسان وفساد في العقل، فلا يدرك معانيه إلا من تضلع من لسان العرب فاستقام لسانه وصح قياسه، فاللسان بمبانيه الملفوظة يفصح عما في النفس من معان معقولة، فلا يحصل بيان إلا بتصور المعنى وإدراك اللفظ الدال عليه، فالكلام المفيد: معنى يقوم بالنفس ولفظ يدل عليه مطابقة، وليس ذلك، كما تقدم، إلا لمن تضلع من لسان العرب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير