تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذلك توبيخ على التقصير في واجب الألوهية، فحسن التذييل بعلته من وصف الربوبية إمعانا في بيان قبح الجناية، فقد قصر الفاعل في حق من له الكمال المطلق ذاتا ووصفا وفعلا، فقد أحسن إليه بالخلق والتسوية والعدل، فخلقته متكاملة برسم التسوية وأعضاؤه متناسبة برسم العدل، فأطنب بذكر تلك الأوصاف على حد التعريف بالموصولية، فمعاني الصلة وما عطف عليها هي الوصف المؤثر في حكم وجوب إفراده، جل وعلا، بالألوهية، فخلق تقديرا وإيجادا، فذلك دليل الإيجاد والاختراع، وسوى فذلك دليل الحكمة والعناية بالنوع الإنساني، ثم جاء التنويه بالصورة الكاملة التي ركب فيها النوع الإنساني فذلك، أيضا، من دلائل العناية الربانية، فله، جل وعلا، كمال الربوبية، فكيف يشرك به في العقائد وكيف يعصى في الشرائع؟!، وكيف تتخذ له الأنداد في العبودية، غلوا في معبود أرضي أو سماوي، أو التشريع برد الأمر إلى غيره وتقديم حكم البشر على حكمه، فتلك من أعظم صور الندية وإن لم تكن ظاهرة كندية من اتخذ معبودا محسوسا برسم الغلو الظاهر في نبي أو إمام أو ولي صالح.

والشاهد أن تلك صفاتٌ باين الرب، جل وعلا، البشر، في حقائقها، وإن حصل الاشتراك في معانيها، فليس العلم كالعلم بداهة، وليست القدرة كالقدرة ..... إلخ، وجماع ذلك: النفي برسم التنزيه: فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فليس كمثله شيء في حقيقة ذاته القدسية وحقائق أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وإن حصل الاشتراك في معاني الذات والأسماء والصفات، وذلك مما يقطع أطماع المشبهة ويبطل حجة المعطلة، فتعالى ربنا أن يشبه أحدا من خلقه فضلا عن أن يحل فيه أو يتحد، فذلك من المحال العقلي الذي تنكره بدائه العقول وتمجه بدائه الفطر، فالكامل برسم الإطلاق قد تنزه عن لحوق وصف النقص بذاته أو وصفه، وذلك لازم حلوله أو اتحاده بغيره، فكل ما سواه مخلوق حادث، فلا ينفك ذلك عن امتزاج يلحق النقص بالكامل برسم الجفاء ويلحق الكمال بالناقص برسم الغلو، وذلك لازم كل مقالة نسبت إلى المخلوق، وصفا أو فعلا يختص بالرب، جل وعلا، فما وقع الغلو في العزير والمسيح عليهما السلام إلا من هذا الوجه فـ: (قَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ)، فالبنوة تقتضي المشابهة في حقيقة الذات، فالولد من جنس أبيه بداهة، فظنوا فيهم شيئا من حقيقة الإلهية، فغلوا فيهم برسم العبودية، فكفروا من هذا الوجه فذلك من الشرك بالتثليث، والكفر بتجويز وصف النقص البشري في حق الرب العلي، جل وعلا، بل قد جوزوا في حقه، تبارك وتعالى، جملة من المحالات يتنزه عنها آحاد القادرين من البشر من تسلط أخس الخلق عليه وإهانتهم له بالصفع والبصق واقتياده إلى خشبة الصلب ....... إلخ، فالقادر من البشر يأنف من ذلك بل عدوه يعجز عن إلحاق الأذى به عادة إلا بالمكر والتحيل فلا يناله كما نالت يهود المسيح عليه السلام، بزعم أصحاب هذه الفرية!، فإذا انتفى ذلك النقص الفاحش في حق آحاد القادرين من البشر فكيف بالمليك المقتدر جل وعلا، فانتفاؤه في حقه واجب من باب أولى بل هو من آكد الواجبات الشرعية والعقلية، وما وقع الغلو في غيرهم من رءوس الضلالة سواء أكان ذلك في الديانة أو السياسة، ما وقع إلا بالغلو في أولئك:

فنسب إلى الباباوات والقسس منصب النيابة عن المسيح عليه السلام، فهم ظل الله الشرعي في الأرض، إن صح التعبير!، فإليهم الحل والعقد برسم النسخ بل وربما الإبطال لجملة أحكام الناموس، فكل ينسخ ما لا يروق لعقله وذوقه، ويحكم ما يروق له، حتى صارت الشريعة منسوخة تفتقر إلى جملة عظيمة من الأحكام، وتفرقت بأصحابها الأهواء، فلا تكاد تحكي لهم شريعة مطردة ولو في شعيرة متواترة، فقد طال النسخ الأصل الأول لكل نبوة: أصل التوحيد الذي أجمعت عليه النبوات، فكيف بما بعده من الأصول والفروع؟!، فلحوق النسخ بها أهون من باب أولى، فـ:

من يهن يسهل الهوان عليه ******* ما لجرح بميت إيلام

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير