تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمن هان عليه التوحيد فزهد فيه، هان عليه ما بعده من الشرائع والأحكام فلم يجد لذلك ألما، فقد مات الضمير بخروج روح الإيمان من القلب، فهي الروح المحيي للأديان إحياء الروح اللطيف للأبدان.

ومع ذلك الاختلاف: لا أصل صحيح السند والمتن يرجع إليه عند وقوع النزاع، فالنبوات الصحيحة هي الحكم الفصل فيما يقع بين العقول من نزاع في الإلهيات أو الشرعيات، فـ: (مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)، فذلك عموم محفوظ، فما اختلفتم فيه من أي حكم من أحكام الديانة علميا كان أو عمليا فحكمه إلى الرب، جل وعلا، فيرد الأمر إلى وحيه الشارع: كتابا وسنة، فحكم رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حكمه، فـ: "ألا وإن ما حرم رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم مثل ما حرم اللَّه".

ونسب من نسب من رءوس الضلالة الدينية إلى نيابة عن معصوم وإن كان غير موجود فصار لنائبه من السلطان على الأرواح والأبدان ما شابه به أحبار ورهبان أهل الكتاب الذين طغوا في القول وبغوا في العمل، فاتخذوا أربابا من دون الله، عز وجل، بطاعتهم برسم الإطلاق، وذلك لا يكون إلا لصاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لمكان العصمة والتبليغ عن رب العالمين تبارك وتعالى، فـ: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ).

فالطاعة المطلقة، عند التدبر والنظر، لا تكون إلا لله، عز وجل، أصلا، ولرسله، عليهم السلام، تبعا، فإنهم ما عظموا وقدموا إلا برسم النبوة، فنظر العقلاء في دلائل نبواتهم فعلموا يقينا جازما صدق دعواهم فسلموا لهم زمام الأديان كما يسلم المرضى للأطباء زمام الأبدان، بل تسليم الأولين أعظم، فإن علم النبي علم يقيني جازم، وعلم الطبيب ظن راجح فقد يخطئ في تعيين العلة ووصف الدواء فيضر المريض حيث أراد نفعه، وأما النبي فعلمه بالداء: علم يقين، وداوءه شفاء العليل.

ونسب من نسب من شيوخ الضلالة إلى طرق حادثة برسم الخلافة!، فيرث كل شيخ تركة من سبقه من الأتباع والأموال!، وتلك حال رءوس الضلالة فإنهم لا بقاء لهم إلا بجاه السلطان الجائر على قلوب وأبدان أتباعهم، فيتسلطون على عقولهم برسم التسليم، ويتسلطون على أموالهم برسم القرابين والنذور.

ونسب من نسب من ساسة الجور إلى درجات من الإلهام تكاد تصيرهم أنبياء، فهم الساسة الملهمون الذين لا يخطئون ولا ينخدعون ولا يجهلون شيئا من أمر الكون!، وهم، كما ذاع في بعض النظريات السياسة، ظل الله السياسي في الأرض، إن صح التعبير!، فذلك مقابل ظله الديني الذي تقدم ذكره، فلهم الحق الإلهي في الملك فليسوا من جنس البشر، وإن كانوا مثلهم يأكلون ويشربون ويحدثون!، فجنس الغلو في الديانة أو السياسة واحد، وإن كان ظهوره أقوى وسلطانه أتم في أمور الديانة، لشرف متعلقها فبها تحصل النجاة الأبدية في دار الجزاء السرمدية، ولو في ظن صاحبها فقد تكون مقالة باطلة يهلك بها من هلك من أتباع الملل الباطلة والنحل الحادثة.

ونسب من نسب من طواغيت الدساتير والشرائع الأرضية إلى درجات من العلم والحكمة صيرتهم آلهة يضعون للبشر الشرائع الحادثة ولو كانت على ضد شرائع النبوات الكاملة، وليس لبشر من العلم ما يدرك به المآلات ولو قريبة، وليس لهم من الحكمة ما يدركون به وجه المصلحة تحقيقا بل غاية علومهم الظن، فالعدول عن اليقين الجازم إلى الظن الراجح لا يستقيم على أصول العقل الصريح والاستدلال الصريح، فكيف بالعدول عن اليقين إلى الظن الخارص؟!.

فـ: من عرف ربه أحبه، كما تقدم من كلام الحسن، رحمه الله، فعرفه بكمال ذاته ووصفه وفعله، فصفات غيره مضمحلة بالنسبة إلى صفاته، جل وعلا، كما ذكر ذلك صاحب "مختصر منهاج القاصدين" رحمه الله، ومثل له بالعلم والقدرة، فالاشتراك في الاسم وأصل المعنى في الذهن: ثابت فيوصف الإنسان بالعلم والقدرة، ولكنها لا تضاهي في حقيقتها حقيقة علم وقدرة الرب، جل وعلا، وذلك، كما تقدم مرارا، أصل في الإثبات في باب الإلهيات.

يقول صاحب "مختصر منهاج القاصدين":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير