تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فـ: لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ: فحذف جواب "لو": مئنة من التهويل، كما حكى ذلك أبو السعود رحمه الله في وجه، فلو يروا لرأوا أمرا عظيما تعجز العقول عن حده.

فيرون أمرا عظيما يظهر به أن القوة لله جميعا: فـ: "أل" في القوة جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فتشمل كل معاني القوة الثابتة لله، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فليست من جنس قوى البشر بداهة، وإن حصل الاشتراك في المبنى وأصل المعنى، فذلك، كما تقدم مرارا، من الاشتراك المعنوي في الذهن فلا يمنع تصوره وقوع الشركة فيه، ولا يمنع إثباته تباين أفراده في الخارج فمعنى القوة في كلها ثابت، وحقيقتها تبع لحقائقها فليست قوة الرب، جل وعلا، كقوة الإنسان، فالوصف تبع لموصوفه في الكمال أو النقصان.

ثم جاء العطف: وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ: فحصل بالإظهار لاسم الرب، جل وعلا، في موضع الإضمار تربية للمهابة في النفوس، كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله، فالسياق سياق جلال، فتهاب النفوس من ذكر اسمه، جل وعلا، في معرض الوعيد بالعذاب الشديد لمن سوى به غيره فاتخذ له ندا ظاهرا أو باطنا، فعموم اللفظ، كما تقدم، يعم كل صور الندية.

والعطف من وجه آخر يفيد الاحتراس، كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله، فهو آكد في إثبات الوعيد، فقد تثبت القوة ويكون العفو، وذلك ممتنع في حق المشرك، فـ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)، فلا يغفر لمن ارتكب أبشع صور الظلم فمقتضى الحكمة عدم التجاوز عنه بخلاف من ظلم نفسه بمعصية أو كبيرة فيجوز في حق الرب، جل وعلا، التجاوز عنه فذلك مقتضى كرمه بإنفاذ الوعد جزما وامتناع الوعيد في غير الشرك عمن شاء المغفرة له من أصحاب الذنوب الكبائر، فهم تحت المشيئة الربانية، فإن شاء، جل وعلا، تجاوز فضلا، وإن شاء أخذ عدلا، ولا يظلم ربك أحدا.

والإضافة في: "شديد العذاب": إضافة حقيقية تفيد التعريف، لا لفظية تفيد التخفيف، فذلك من الوصف الثابت لرب، جل وعلا، بالنظر إلى نوعه، وإن حدثت أفراده في دار الابتلاء بعذاب الاستئصال العام أو الخاص، أو الأخذ بالسنين، أو بالآيات المخوفات من قبيل: الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ..... إلخ من صور العذاب العاجل، وحدثت، أيضا، في دار الجزاء برسم التجدد فـ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا).

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير