باعوا البلادَ إلى أعدائهم طَمَعا
بالمال لكنّما أوطانَهم باعوا
قد يُعذرون لَوَ انّ الجوعَ أرغمهم
واللهِ ما عطشوا يوماً ولا جاعوا
وبُلْغَةُ العارِ عند الجوعِ تلفظها
نفسٌ لها عن قَبول العارِ ردَّاعُ
تلك البلادُ إذا قلتَ: اسمُها «وطنٌ»
لا يفهمون، ودون الفهمِ أطماع
ويوم عينت الحكومة المنتدبة يهودياً بريطاني الجنسية لوظيفة النائب العام في فلسطين، فأمعن في النكاية والكيد للعرب بالقوانين التعسفية الجائرة التي كان (يطبخها) ولما ثقلت على العرب وطأته، كمن له أحد الشبان المتحمسين في مدخل دار الحكومة في القدس، وأطلق النار عليه فجرحه.
فما كان من إبراهيم إلا وأن حياه في قصيدته الشهيرة " الفدائي ":
لا تسلْ عن سلامتِهْ
روحُه فوق راحتِهْ
بدّلتْهُ همومُهُ
كفناً من وسادته
يرقبُ الساعةَ التي
بعدها هولُ ساعته
شاغلٌ فكرَ من يرا
هُ، بإطراق هامته
بين جنبيه خافقٌ
يتلظّى بغايته
من رأى فحمةَ الدجى
أُضرِمتْ من شرارته
حمّلتْه جهنّمٌ
طَرَفاً من رسالته
كما كرم الشهداء، و قدم صورا رائعة عن بطولاتهم، في قصيدته الرائعة "الشهيد" التي قال فيها:
عبس الخطبُ فابتسمْ
وطغى الهولُ فاقتحمْ
رابطَ الجأشِ والنُّهى
ثابتَ القلبِ والقدم
لم يُبالِ الأذى ولم
يَثْنِه طارئُ الألم
نفسُه طوْعُ همّةٍ
وجمتْ دونها الهِمم
تلتقي في مزاجها
بالأعاصير والحُمم
تجمعُ الهائجَ الخِضَمْ
مَ إلى الراسخ الأشم
وَهْي من عنصر الفدا
ءِ، ومن جوهر الكرم
ومن الحقِّ جذوةٌ
لفحُها حرَّرَ الأُمم
سارَ في منهج العُلا
يطرُقُ الخُلْدَ منزلا
لا يبالي، مُكبَّلا
ناله أمْ مُجَدَّلا
فَهْو رهنٌ
بما عزم
وكان يحزنه خمود العزائم عند بعض حاملي عبء القضية الوطنية، ووقوفهم عند تقديم البيانات والاحتجاجات، ويؤلمه عدم مجابهة الخصمين: المستعمر البريطاني والصهيوني الغاصب:
لنا خصمان ذو حَوْلٍ وَطَوْلٍ
وآخرُ ذو احتيالٍ واقتناصِ
مناهجُ للإبادة واضحات
وبالحسنى تُنفّذ والرصاص
وفي مواجهة المحو والإلغاء تصبح كل وسائل الاحتجاج المعتادة لغواً وعبثاً، ولا يقف أمام منهج الإبادة إلا منهج الشهادة. فالقوة تلغيها القوة:
لا يلين القويُّ حتى يلاقي مثله عزّةً وبطشاً وجاها وكما أدرك إبراهيم طوقان قيمة الأرض وجعلها في مرتبة القداسة أيقن أن الإنسان لا يستحق هذه الأرض إلا عندما يغسلها بدمه:
صهروا الأغلالَ وانصاعوا إلى دنسِ الأرضِ فقالوا اغتسلي
ولطالما نقد الخلافات الحزبية وأصحابها، ودعا إلى استنهاض الهمم، وبذل الدم من أجل الوطن، لأن الكلام لم يعد يجدي:
وطنٌ يُباع ويُشترى وتصيحُ: «فَلْيحيَ الوطنْ» لو كنتَ تبغي خيرَهُ لبذلتَ من دمكَ الثمن ولقمتَ تضمد جرحَهُ لو كنتَ من أهل الفِطَن
و هكذا امتلك إبراهيم طوقان رؤية واضحة لطبيعة الصراع فوق أرض فلسطين، ولكنه لم يكن يمتلك سلطة القرار ليحيل هذه الرؤية إلى واقع، وإذ افتقدت فلسطين في ذلك الوقت القيادة التاريخية التي تتمتع بعمق النظر وصلابة الموقف، فإن مسار الأزمة كان واضحاً في مخيلة طوقان، إنه الكارثة:
لا تلمني إن لم أجدْ من وميضٍ لرجاءٍ ما بين هذا السوادِ
• حياته .. شعلة من الثورة والتحدي رحل إبراهيم طوقان مبكرا، غير أنه بقيت لنا من شعره رؤيته الواضحة لآلية الصراع في الأرض المقدسة، وإذا كنا ندرك أن كلمات الشعراء مهما كانت حرارتها لا تكفي لتحرير وطن، فإننا على يقين بأن هذه الكلمات هي التي تذكّر الإنسان بالحق المغتصب، وتبقي هذا الحق مؤرقاً للوجدان حتى يستدعي الرصاصة التي تحرر الوطن وتحقق للقول الشعري نبوءته ووعده الذي لن يخيب.
عاش حياته القصيرة شعلة من الثورة والتحدي، في مواجهة الاستعمار البريطاني والغزو الصهيوني، وقد طبع ديوانه، أول مرة، عام 1955 وفيه مقدمة مطولة عن حياته بقلم شقيقته الشاعرة فدوى طوقان. عن دار الشرق الجديد في بيروت، وقد حافظ شقيقه أحمد طوقان (رئيس وزراء الأردن الأسبق)، على القصائد التي اختارها إبراهيم وعددها (77) قصيدة واقتصر عمله على تشكيل بعض الكلمات .. وشرح بعض المناسبات .. وإضافة عشر مقطوعات غزلية، وبلغت أبيات هذا الديوان (1455) بيتاً تقريباً، واحتوى هذه الديوان - بالإضافة إلى القصائد - مقدمة لأحمد طوقان وكتيباً كانت قد أصدرته فدوى طوقان بعنوان: «أخي إبراهيم»، ثم رتبت القصائد حسب
¥