تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولدعوة الإسلام واثارها في اهلها الأولين.

وقد علق على كلام المنصور بالله علامة الزيدية السيد محمد بن إبراهيم الوزير (1: 56 – 57 من الروض الباسم) قائلاً يخاطب قارئ كتابه: ((فاخبرني على الإنصاف: من في زماننا – وقبل زماننا – من اهل الديانة سار إلى الموت نشيطاً، وأتى إلى ولاة الأمر مقراً بذنبه مشتاقاً إلى ربه، باذلاً في رضا الله لروحه، ممكنا للولاة أو القضاء من الحكم بقتله؟! وهذه الأشياء تنبه الغافل، وتقوي بصيره العاقل. وإلا ففي قول الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} كفاية وغنية، مع ماعضدها من شهادة المصطفي عليه السلام بأنهم ((خير القرون))، وبأن غيرهم ((لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه)) إلى أمثال ذلك من مناقبهم الشريفة ومراتبهم المنفية)).

ونعود إلى المقارنة الأولى بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأمة موسى عليه السلام – وكلاهما من الأنبياء أولى العزم وموسى أتيح له من الوقت لتربية أمته ضعف الوقت الذي أتيح لمحمد صلى الله عليه وسلم في تربية أمته، فكيف نالت أمة محمد صلى الله عليه وسلم هذه المكرمة فكانت ((الجيل المثالي)) الذي خلده الله عز وجل في القرآن الكريم بقوله في سورة آل عمران 110 {كنتم خير امة اخرجت للناس}، بينما الجبل الذي كان مع موسى استحق أن يدمغ بما ورد في سفر العدد (14: 26 – 27 و 29) كما نقلناه أنفاً عن التوراة التي يطبع منها في كل سنة ملايين النسخ بكل اللغات؟

- أنا فكرت في هذا الأمر كثيراً من خمسين سنة إلى الآن، ومن ذلك الحين وأنا أراقب كل ما يقع عليه نظري من تحقيقات العلماء وخطرات أفكارهم لأصل إلى حكمة في هذا الامتياز الذي أختص به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلهم ((الجيل المثالي)) الوحيد الذي عرفه تاريخ الإنسانية.

- فكرت في معادن الأمم ومواهبها وسجاياها، فراقبتها جميعاً وهي في بداوتها (أي في مادتها الخام) قبل أن تطرأ عليها الحضارات والعلوم المكتسبة والصناعات والأنظمة الاجتماعية التي هي من صنع التشريع البشري، فتبين لي أن الأمة التى منها ((الجيل المثالي)) في الإسلام امتازت في بداوتها على كل أمة أخرى في بداوتها بسعة المدارك ونضوج العقل ودقة المشاعر ودودة الأخلاق وأنها امتازت بداوتها بلغة هي ارقى على الإطلاق من كل لغة أخرى للبشر في الحضارة واتساعها الحادث في الصناعات والعمران والفنون والثروة، ولو أن عالما من علماء اللغات أمسك بيده قلماً بالمداد الأحمر وشطب به كل لفظة في المعجم الألماني أو الإنجليزي أو الفرنسي يرى أنها من الألفاظ التى حدثت بعد التقدم الصناعي أو العلمي أو الأقتصادي أو الفني، ولم تكن للألمان أو الأنجليز أو الفرنسيين في بداوتهم، لما بقى لهذه الأمم في اكبر معاجمها اللغوية إلا ما يعادل نصف جزء من أجزاء لسان العرب العشرين إن لم يكن اقل من ذلك. والعرب لما استفحل ملكهم وصارت لهم جيوش عظيمة واصطلاحات عسكرية وإدارية وفلسفية وعلمية وصناعية أبي علماؤهم أن يقحموا على معاجمهم واصل لغتهم هذه الاصطلاحات، وبقيت معاجم اللغة تمثل اصل اللغة بشواهدها من شعر العرب وحكمتهم وأمثالهم في ايام بداوتهم. فهي برهان حسي قائم أمام الأنظار على ما امتازت به العربية بين جميع اللغات التى نطق بها البشر، ومما امتازت به الأمة التى ظهر منها ((الجيل المثالي)) إنسانيتها العليا في معاملة الغير وإكرامه بالأمن والقرى، وإذا استثنينا ما يكون في حالة الحرب بين القبيلة وغيرها من العرب، فإن جزيرة العرب من أقدم أزمانها إلى هذه الساعة اعظم بلاد الله أمناً على الإطلاق، ويتنقل فيها من يشاء حيث يشاء فيجد لنفسه فندقاً مجانياً عند كل بصيص ضوء يعشو إليه في الليل، أو أي خباء يلوح له في النهار، وله (حق) الضيافة ثلاثة أيام بلا من عليه ولا فضل لمضيفيه. ومن آداب الضيافة عندهم أن لا يسالوا ضيفهم حتى عن أسمه. وكان عندهم نظام الأشهر الحرم يمتنع فيها القتال بين المتحاربين، وكان عندهم الأمن المطلق حتى للحمام وسائر الصيد في داخل أعلام الحرم في جميع أيام السنة: ولو لقي الرجل قاتل أبيه في ارض الحرم ماكان له ان يروعه أو يزعجه. أنا مقتنع بأنه كما أختار الله محمداً صلى الله عليه وسلم لأكمل رسالاته

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير