تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وآخرها، اختار كذلك العربية لكتابه الحكيم، لأنها أكمل اللغات وأغناها. واختار ايضاً لرسوله أصدق الأمم وأكرمها معدناً وأجمعها للصفات التى تكفل نجاح هذه الدعوة وتقوى بها على حمل هذه الأمانة، فكانت بها خير أمة أخرجت للناس. وقد دعت إلى الإسلام بسيرتها وأخلاقها وتصرفاتها فتعرفت الأمم إلى الرسالة المحمدية بما رأت العيون من سيرة الصحابة، أكثر مما سمعته الآذان من بيانهم. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استجابوا لهذه الدعوة وتشرفوا بالدخول في الإسلام كانوا متفاوتين في مبلغهم من سجايا أمتهم: فبعضهم كان اسرع إدراكاً من بعض. وإذا أمتاز أحدهم على أخيه بناحية من نواحي الخير، كان لأخيه ناحية آخرى من الخير يمتاز بها. كان أبو بكر أسبق من عمر إلى إدراك الحق في دعوة الإسلام، لكن عمر حتى في أشد عصبيته على الإسلام – يوم بلغه إسلام أخته وابن عمه وجاء ليبطش بهما – طرقت سمعه صيحة من صيحات الحق التى يهتف بها الإسلام، فبردت عصبيته، وتغلب نزوعه للحق على نزوعه لنصرة الإلف، فكان – في خلال دقيقتين أثنين – من أكرم أنصار الحق على الله، ومن أسرع البشر إلى الإستجابة لنداء الحق. وخالد بن الوليد كان شاباً من أبناء الأعيان من رؤساء قريش، سكر بخمره النصر على المسلمين في أحد، وعاد إلى مكة نشوان بها، لكن الحق الذي كان الإسلام يهتف به كان يطرق مسامع خالد، فتأمل فيه فوجده حقاً، فترك ثروة أبيه وجاهه ومربط خيله الواسع في مكة، وخرج قاصداً المدينة ليدخل في دين الذين حاربهم وانتصر عليهم، فلقي في طريقه عمرو بن العاص وحامل مفتاح الكعبة وعلم أنه مثله قد تبين لهما الحق وخرجا في طلبه والالتحاق بأهله والجهاد في سبيله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم عند بلوغه المدينة: ((رمتكم مكة بأفلاذ كبدها)).

مثل هذه الأخلاق كثيرة جداً في ((الجيل المثالي)) الذي صنع منه محمداً صلى الله عليه وسلم أصحابه ولكننا قلما نجد ذلك شائعاً في الأمم الأخرى. نعم. إن الخير موجود في كل الأمم، ولكن لا إلى الحد الذي يقوم به الجيل المثالي، ولذلك كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس.

- يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه (الكتاب 61 – الباب الأول) من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة أن رسول الله ? قال: صلى الله عليه وسلم ((قال تجدون الناس معادن، وخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)). ومما لا شك فيه أن العرب كانوا على وثنية، ولكن من من الأمم لم يكن عند ظهور الإسلام من أهل الوثنية بمختلف معانيها؟

إلا أن العرب كانوا أحدث الأمم في وثنيتهم، لأنها طرأت عليهم قبيل الإسلام بمئات قليلة من السنين على يد عمرو بن لحي الخزاعي في خبر طويل لا يتسع المقام للإفاضة فيه وكانت العرب قبل ذلك من أهل الحنفية دين إبراهيم وإسماعيل، وبنو إسماعيل انتشروا من مكة وتوطنوا في جميع البقاع الشمالية من جزيرة العرب إلى أسوار مدينة دمشق. ومن العرب من كانوا على دين شعيب وقد ترك لها عندهم من الهياكل والسدنة والتهاويل ما يضارع الذي لها عند غيرهم، فكان أقرب أمم الأرض إلى دين الفطرة، وبذلك استحقوا ثناء الله عليهم فيهما جاء بسورة (البقرة 143): {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس وليكون الرسول عليكم شهيداً وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم}، وما جاء في سورة (الأنفال 64): {يأيها النبي حسبك الله ومن أتبعك من المؤمنين} وما جاء في سورة (التوبة 100): {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بأحسن رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير