تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبعد عودته سنة 1929 انصرف إلى قراءة الأدب ومطالعة دواوين شعراء العربية على اختلاف عصورهم حتى صارت له ملكة في تذوق الشعر والتفرقة بين نظمه وأساليبه، وبدأ ينشر بعض قصائده الرومانسية في مجلتي "الفتح" و"الزهراء" لمحب الدين الخطيب، واتصل بأعلام عصره من أمثال أحمد تيمور وأحمد زكي باشا والخضر حسين ومصطفى صادق الرافعي الذي ارتبط بصداقة خاصة معه. ولم يكن شاكر معروفا بين الناس قبل تأليفه كتابه "المتنبي" الذي أثار ضجة كبيرة بمنهجه المبتكر وأسلوبه الجديد في البحث، وهو يعد علامة فارقة في الدرس الأدبي نقلته من الثرثرة المسترخية إلى البحث الجاد.

والعجيب أن شاكر الذي ألف هذا الكتاب سنة 1936 ولم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره لم يكن يقصد تأليف كتاب عن المتنبي، إنما كان مكلفا من قبل فؤاد صروف رئيس تحرير مجلة المقتطف بأن يكتب دراسة عن المتنبي مسهبة بعض الإسهاب ما بين عشرين إلى ثلاثين صفحة، ولكن هذا التكليف تحول على يد شاكر كتابا مستقلا عن المتنبي أنجزه في فترة زمنية قصيرة على نحو غير مسبوق ونشرته مجلة المقتطف في عددها الصادر في السادس من شوال 1354هـ الأول من يناير 1936م، وصدر فؤاد صروف مجلته بقوله: هذا العدد من المقتطف يختلف عن كل عدد صادر منذ سنتين إلى يومنا هذا، فهو في موضوع واحد ولكاتب واحد.

وقد اهتدى شاكر في كتابه إلى أشياء كثيرة لم يكتبها أحد من قبله استنتجها من خلال تذوقه لشعر المتنبي، فقال بعلوية المتنبي وأنه ليس ولد أحد السقائين بالكوفة كما قيل، بل كان علويا نشأ بالكوفة وتعلم مع الأشراف في مكاتب العلم، وقال بأن المتنبي كان يحب خولة أخت سيف الدين الحمداني واستشهد على ذلك من شعر المتنبي نفسه، وتم استقبال الكتاب بترحاب شديد وكتب عنه الرافعي مقالة رائعة أثنى عليه وعلى مؤلفه.

وكان هذا الكتاب فتحا جديدا في الدرس الأدبي وتحديا لأدباء العصر، فكتب بعده عبد الوهاب عزام كتابه "المتنبي في ألف عام"، وطه حسين "مع المتنبي"، واتهمهما شاكر بأنهما احتذيا منهجه، وسطوا على بعض آرائه، وهاجم شاكر ما كتبه طه حسين في سلسلة مقالات بلغت 12 مقالا في جريدة البلاغ تحت عنوان "بيني وبين طه حسين".

مع سيد قطب والإخوان

وبعد وفاة مصطفي صادق الرافعي بعام أشعل سيد قطب معركة أدبية على صفحات الرسالة سنة 1938م، اندفع إليها بحماس الشباب دون روية، ومتأثرا بحبه الشديد وإعجابه الجامح بالعقاد، فهاجم أدب الرافعي وجرده من الإنسانية، والشاعرية واتهمه بالجمود والانغلاق، فثار محبو الرافعي على هذا الهجوم الصارخ، وقاد شاكر الدفاع عن شيخه وفند ما يزعمه سيد قطب، ودخل معه في معركة حامية لم يستطع الشهيد سيد قطب أن يصمد فيها.

ثم تجددت المعركة بينهما بعد سنوات طويلة حين كتب سيد قطب مؤلفه "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وكان سيد قطب قد بدأ مرحلة التحول إلى الفكر الإسلامي، وحمل الكتاب ما اعتبر نقدا وتجريحا لبعض الصحابة، فانتفض شاكر وكتب مقالة شهيرة في مجلة "المسلمون" تحت عنوان " لا تسبوا أصحابي" سنة 1952م.

وهذا يجرنا إلى محاولة معرفة الموقف السلبي الذي اتخذه شاكر من جماعة الإخوان المسلمين، وكان شديد الهجوم عليهم، ولا يعرف حتى الآن الأسباب التي دعته إلى اتخاذ هذا الموقف، فهل كانت المعركة بينه وبين سيد قطب من أسباب ذلك؟! وهل الذين اتصلوا به من جماعة الإخوان كان لهم دور في توسيع الخلاف بينه وبينهم؟! ويجدر بالذكر أنه حين أنشئت داخل جماعة الإخوان المسلمين لجنة الشباب المسلم للتفرغ للدرس والبحث وبعيدا عن الانشغال بالنشاط الحركي، اتصلت بمحمود شاكر، وكان في برنامجها أن يقوم بتدريس السيرة النبوية لها بناء على اقتراح من المرشد العام حسن البنا، وعقدت عدة لقاءات، وعلى الرغم من هجوم شاكر على حسن البنا، فإن الأخير كان يصر على إتمام هذه اللقاءات للاستفادة من علم الأديب الكبير دون أن يتأثر بما يقوله عنه.

العالم الإسلامي في بيت شاكر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير