بعض اللمسات البيانية للدكتور حسام في برنامج لمسات بيانية في الدورات البرامجية السابقة:
قال تعالى: "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة:177)
"يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (البقرة:189)
لمَ لم يقل: لكن البر أن تؤمنوا باعتبار أن البر هو الإيمان لا المؤمن وليناسب الجزء الأول من الآية الذي أتى بالخبر مصدرا؟
تفسير اللبس الذي دفع للسؤال: جاء في الآية بالمصدر المؤول (أن تولوا = التولية)، فافترض بعضهم أن يستعمل المصدر في الجزء الثاني من الآية أيضا ليتناسب مع المصدر في بدايتها فيقول: ولكن البر أن تؤمنوا، وكذلك في الآية الثانية
الجواب: يذكر المفسرون في هذا المجال قضية لغوية وهي أنه في لغة العرب يمكن أن يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه كما في قوله تعالى: "واسأل القرية"، ففيها مضاف محذوف (واسأل أهل القرية) فحذف كلمة (أهل) وجعل كلمة (قرية) مكانها، وأخذت موقعها الإعرابي.
وقريب من هذا قول الخنساء:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت ... فإنما هي إقبال وإدبارُ
توضح لنا الخنساء حالها بعد أخيها، فهي كالناقة التي ذبحوا وليدها، فهي تتلهى عنه قليلا، ثم تتذكره، فإذا تذكرت صارت تقبل وتدبر تبحث عنه، ووصفتها بأنها هي إقبال وإدبار
والتأويل: فإنما هي ذات إقبال وذات إدبار، بحذف كلمة (ذات)، ويبقى السؤال: لماذا حذفت كلمة (ذات)؟؟؟
هذه الألفاظ (إقبال ـ إدبار ـ (من) الاسم الموصول) حينما يخبر بها عن اسم معين فكأن ذلك الاسم المخبَر عنه قد تمثلت فيه كل الصفات الموجودة في هذه اللفظة.
فعندما يقول: "ولكنّ البِرّ مَن اتّقى" كأن هذا المتقي صار هو البر بعينه. فالبِر الحقيقي هو هذا الذي وصفناه بهذه الكلمة، البر هو هذا الذي اتقى أو هذا الذي توفرت فيه هذه الصفات، وفي البيت كأن الناقة تحولت إلى إقبال وإدبار، فكل صفات الإقبال والإدبار اتصفت بها ووجدت فيها.
ولو عدنا إلى الآية لتوقفنا فيها أكثر من وقفة
ـ هدف الآية
ـ الإفراد في الصفات ثم الجمع
ـ نصب الصابرين
ـ الرق والإسلام
ـ توجيه رباني من الآية الثانية
أصل الكلام في الآيتين هو قضية أي قبلة أولى بالاتجاه نحوها؟ في أي اتجاه يكون البر؟
والقرآن يريد أن يبين لمن يسمعه سواء أكان من المسلمين أو من غيرهم ما البر الحقيقي؟ فقال: "لَيسَ البرّ أنْ تولوا وُجوهَكم"
نلحظ أنه استعمل الفعل المضارع بمعنى التحول والتحرك أي تولية الوجه، ووصف البر بأنه من تتمثل فيه هذه الصفات، وهي من الآيات الجامعة تبين لنا أن البر يكون ممثلا كاملا في هذا الإنسان المتصف بهذه الصفات.
وتمضي الآية تعدد صفاته:
ـ الإيمان بالله بكل ما يقتضيه من تطبيق ومن اعتقاد
ـ ثم انتقل إلى الغيبيات من الإيمان باليوم الآخر والملائكة
ـ والكتاب: ونلحظ استعمال الجنس (الكتاب) أي جنس الكتاب.
ـ والنبيين: استعمل النبيين دون المرسلين لأن النبوة أوسع من الرسالة، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، فانتقى اللفظ العام
ـ ثم انتقل إلى المعاملات: "وآتى المال على حبه"
ـ ثم بين نوع الإيتاء، فهو ليس من الفرض.
¥