ما ذكرته كان ملخصا ً لبحث موثَّق مطوَّل كتبه الدكتور المبارك محققا ً ما سمعه في ندوة تلفزيونية، ونشره في كتابه: (مقالات في العربية)، وقد أشرت إلى هذا البحث لأدلّل على ما ذهبت إليه من أنّ التحقيق أضحى لدى المبارك صفة راسخة ً وطبعا ً متحكما ً حتى وهو يستمع إلى ندوة أو يكتب مقالاً .. إنه ببحثه المشار إليه لم يصحح خطأ وقع فيه أحد المشاركين في ندوةٍ عَرَضاً، بل إنه لخطأ كثيرا ً ما سمعناه يتردد على ألسنة أناس في مواضع مختلفة، وهم يتصدّون للتعليم أو للخطابة أو الوعظ والإرشاد ... يذهب بهم لفظ الأحابيش إلى الحبشة، وتذهب بهم الحبشة إلى اللون الأسود .. فيبنون عليه ما يبنون ويفسرون ما يفسرون.
لقد عاصر الدكتور مازن في مُقتبل حياته العلمية في جامعة دمشق جمهرة من زملاء عمله – الذين كان بعضهم أستاذاً له، وأستاذاً لجيلنا أيضاً؛ وأتيح له أن يتعرف على أعلام جامعة دمشق، وكلياتها المختلفة؛ بأسباب كثيرة منها صلاته العلميّة، والاجتماعية، وموقعه في قسم اللغة العربية ...
وأتيح له أيضا أن يكون – بصفتيه الشخصية والرسمية – على صلة بقضايا اللغة العربيّة في مجال التعليم، والتربية والثقافة والإعلام، ولم يمض وقت بعيد حتى كان الدكتور مازن اسما ً مرموقا ً:
- في الهيئة التعليمية في قسم اللغة العربية.
- وفي إطار جامعة دمشق في كل مجال له صلة باللُّغة، والمصطلح.
- وفي وجوه العلاقات التربوية التعليمية، والثقافية والإعلامية.
- وبرز؛ أيضا؛ بصفة صاحب حضور إعلامي متميز في ندوات الأدب واللغة والثقافة والحضارة ...
لا يَصْعُب على دارس شخصية الدكتور مازن المبارك، ومتابع نشاطه الفكري، واللغوي، والحضاري، أن يتبيّن ملامح تلك الشخصية في جوانبها المختلفة، فهو بمقدار ما له من الذاتية والخصوصية والرغبة في الالتفات إلى الذات والأهل والمكتبة الخاصة والاستقلالية، يحبّ أن يكون في زورق كبير مكشوف للسماء، لا غطاءَ، في مجموعة من الناس، ويفضّل أن يكون أولئك الناس من الأصحاب، والأصدقاء، والجيران، والزملاء المقربين ...
- وهو - أيضا- بمقدار ما يحبّ أن يكون مع النخبة المُختارة التي يشعر معها بالانسجام والتوافق يستطيع أن يتلاءم مع الإطار الواسع والعدد الجمّ.
- إنها القدرة: على الائتلاف مع ظروف الحياة، والمواءمة بين المطلوب والموجود؛ وبين المتصوَّر والممكن.
- وهو؛ بمقدار ما في طباعه من خصوصية ذات تميّز يعرفها أقاربه كما يعرفها أصحابُه ومريدوه: قادرٌ على الانفتاح على الآخرين، وعلى تطويع النفس، لقَبُول الناس على اختلاف طباعهم وأمزجتهم، لزمانٍ محدود، ولكنه – على كل حال- زمانٌ كافٍ لكي يتطبع في نفوس الناس عنه تلك المقدرة على التفافهم، والتعّايش، وتسيير الأمور في ظروفها المختلفة.
على أن قارئ الشخصية يلاحظ معالمها في ثلاثة اتجاهات: المعالم الخاصة، والمعالم الجامعية، والمعالم العامة.
في المعالم الخاصة، التي يعبر عنها أيضاً بالمعالم الشخصية، هي معالم تدور حول قوام الذات، وخصائص النفس، ومكوّنات الوُجدان، وفي هذا كله ما يلوّن الإنسان بلونه، ويطبعه بطابعه، ويعطيه – عند نفسه وعند الناس- هويته الخاصة، وقد اشتركت عوامل كثيرة في تكوين هذه المعالم الخاصة:
- فجانب، أو جوانب، يشترك فيها مع أبناء جيله مع أحداث عامة، وظروف شاملة.
- وجانب أو جوانب، يختص بها، وتنبع من ذاته، ويختلط الجانبان معاً، يكونا الصورة، والمزية، والهويّة، والذاتية، والخصوصية.
وعاصر الدكتور مازن مثل أبناء جيله، بعض زمان الحكم الفرنسي، وعايش في شبابه الأوّل انتصار إرادة الشعب السوري، وأدرك نضج ثمرات الثورة السورية التي ناصبت الاستعمار الفرنسي العداء، وكان في أكثره مجاهدةً بالسّلاح:
سقط فيها الشهداء، وأقلقت فيه راحة المستعمر المعتدي، الذي قطع أوصال بلاد العرب، وفرّق ما بين أبناء الأمة الواحدة.
ومع تشرّب ذلك الجيل بالحماسة الوطنية، والروح الوثّابة كانوا واعين لمعركة البناء: وأهمّه بناء الفكر، والوجدان.
¥