وخلال خدمته في جامعة دمشق بين عامي 1948م و1968م، كلفته الجامعة تمثيلَها في عددٍ من النَّدوات والمؤتمرات، كان منها ما عُقد في القاهرة سنة 1961م، وفي بغداد سنة 1962م، وفي إسبانية سنة 1963م، وطهران سنة 1963م أيضاً، وشارك في الموسم العلمي في المغرب عام 1967م، واطَّلع في جولاته في المغرب وتونس على خزائن المخطوطات العربية القديمة.
وكان كثير السَّفر إلى مصر، إذ كانت له فيها صلاتٍ وصداقات، وطبع فيها عدداً من كتبه، وانتُخب في عام 1970م عضواً مراسلاً في مجمع اللُّغة العربية في القاهرة، ثم انتُخب عضواً عاملاً فيه في سنة 1971م.
حياته الاجتماعية:
عاش الأستاذ الأفغاني نصفَ عمره عزباً، ثمَّ تزوَّج من سيدة فاضلة هي ابنة الأستاذ صلاح الدين الخطيب، ورزق منها بابنة وحيدة، وعاش حياة أسرية هانئة وهادئة، إلى أن قبضت زوجته رحمها الله سنة 1994م.
ولا يمكن الفصل بين الجانب الاجتماعي والجانب العلمي في حياة الأستاذ الأفغاني، إذ صرف الرَّجل همه لإتقان اللُّغة العربية وخدمتها في جميع الميادين، فقد كان متابعاً للجلسات الأدبية والفكرية والعلمية في زمانه، وكثيراً ما كان يحضر مجالس الأستاذ محمد كرد علي، وكانت صلته وثيقةً به وبمن يحضر مجالسه من مثقَّفي عصره وأدبائه، كالأستاذ عارف النكدي، والأستاذ خليل مردم بك، والأستاذ سليم الجندي، وغيرهم.
وكان له ولصاحبيه الشيخ عبد القادر العاني والشيخ علي الطنطاوي جلسات أسبوعية، منها التي كانت تُعقد بعد صلاة الجمعة في دار الحديث الأشرفية بالعصرونية، ويحضرها عدد من الفضلاء، مثل الدكتور أحمد حمدي الخياط، والأستاذ فخر الدين الحسني رحمهم الله. وكانت أطول جلساتهم عمراً، تلك التي كانت في المدرسة الأمينية، واستمرَّت ثلاثين سنة.
وكثيراً ما كان يخرج في أوقات الأصيل صيفاً إلى المتنزهات القريبة من دمشق بصحبة أصدقائه، أو يجلس معهم في مقهى بسيط على سفح قاسيون، وكان له عددٌ محدودٌ من الأصدقاء، اختارهم من مهنٍ متباينة، بعيداً عن الأساتذة الجامعيين، حرصاً على ألا تتحول النُّزهة معهم إلى جلسةٍ من مجالس الكلية.
سعيد الأفغاني وعلي الطنطاوي:
كان بين الأستاذ سعيد الأفغاني والشيخ علي الطنطاوي علاقةُ صداقةٍ ومودَّة، بل كانا رحمهما الله كالتوأمين؛ جمع بينهما: وحدةٌ في المشرب والمنزع، ووحدةٌ في المسعى والهدف، وعاشا منذ تعارفا إلى أن فارقا الدُّنيا أخوين متحابين، وصديقين متصافيين، وعديلين متوازيين، لم تستطع الدُّنيا، بكلِّ ما فيها، أن تفسد الحبَّ، أو تعكر الصَّفاء، أو تخل بالتَّوازن.
جمعت بينهما أول مرَّة حلقةٌ علميٌة في رحاب الجامع الأموي ولما يبلغا الحلم، كانت تلك حلقة الشيخ صالح التُّونسي، وكانت حلقة الشيخ صالح –كما يقول الشيخ الطنطاوي- كالمدرسة الجامعة؛ فيها حديث، وفيها قواعد في المصطلح والأصول، وفيها تاريخ وشعر وأدب .. فتعارفا في تلك الحلقة أو المدرسة، واستمرَّت صلتهما الحميمية الصَّافية ورحلتهما المشتركة في الحياة على هدى من ذلك الجوِّ الرُّوحي المشبع بالإخاء والصَّفاء.
ثمَّ صارا عديلين بعد ذلك، إذ إنَّ جدَّ زوجتيهما والد أمهما هو الشيخ بدر الدين الحسني، أكبر علماء الحديث في الشام.
وقد كانت للصَّديقين جلساتٌ خاصَّة للقراءة والمذاكرة، فقد ذكر الطنطاوي أنه قرأ مع الأستاذ الأفغاني كتاب الأغاني، وكانت لهما زيارات مشتركة يقومان بها في دمشق والقاهرة لمفكري وأعلام عصرهما.
واستمرَّت رحلة الصَّديقين الطنطاوي والأفغاني، مع أنَّ لكلِّ منهما أسلوبَه في الحياة وصفاتِه المتميِّزة، وأكنَّ كلٌّ منهما لأخيه حبًّا صافياً، وإعجاباً صادقاً، عبَّر عنه الأستاذ الطنطاوي في كلِّ مناسبة، وفي كلِّ مرحلةٍ من مراحل حياته التي أرَّخها في ذكرياته.
ولقد كان ذِكر الأستاذ الأفغاني في ذكريات الطنطاوي ذكراً مشفوعاً بكلمات الحبِّ والتَّقدير، فهو لا يذكره مرَّة إلا ويصفه بأنَّه الأخ ورفيق العمر، ولا يتحدَّث عن علمه إلا ويعطيه حقَّه، فلقد ذكره في مقدِّمة الطُّلاب الذين نبغوا من طلاب صفِّه، وقال عنه: "إنه مرجع في قواعد اللُّغة العربية نحوِها وصرفِها، وإنَّه .. الذي انتهت إليه الصَّدارة في علم النَّحو في الشَّام".
¥