تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والملاحظ على هذه المؤلفات النحوية أنها لم تقترب من أصول التفكير النحوي أو النظرية النحوية كما وضعتها البصرة، وإنما اتجهت إلى التطبيق والتعليم والاختصار.

إذن لم يتعرض أي من جوانب اللغة العربية للنقد والاتهام كما تعرض النحو العربي، فقد هوجم علماؤه، وسفهت قواعده، ووصمت كتبه بأقبح الصفات.!

فقد عزا الدكتور شوقي ضيف عجز العربي وقصوره في لغته إلى " النحو الذي يقدم للناشئة، والذي يرهقها بكثرة أبوابه وتفريعاته (تيسير النحو التعليمي قديما وحديثا، ص 3)، ورمى إبراهيم مصطفي النحويين بأنهم جنوا على النحو، إذ ضيقوا حدوده، وسلكوا به طريقا منحرفا إلى غاية قاصرة، وضيعوا كثيرا من أحكام الكلام وأسرار تأليف العبارة (إحياء النحو لإبراهيم مصطفى، المقدمة)، وذهب عبد العزيز فهمي إلى أبعد من ذلك حين جعل مشقة دراسة النحو العربي تحمله " على الاعتقاد بأن اللغة العربية من أسباب تأخر الشرقيين، لأن قواعدها عسيرة ودرسها مضلل (تاريخ الدعوة إلى العامية نفوسة زكريا ص 20 وانظر الخلفية الاستشراقية للدعوة إلى العامية ص 68)، كما تمنى طه حسين - بعد أن وصف الإعراب بأنه مخيف جدا - أن يبرئه الله من عقابيل رفع الفاعل بالضمة، وبنائه على السكون، يوما ما (مشكلة الإعراب، طه حسين ص 90 و ص 97.) ورأى أن هذا النحو لابد أن يتغير؛ لأنه من الخطأ - في رأيه - أن نأخذ عقول الشباب بتعلمه، والخضوع لمشكلاته وعسره والتوائه (لغتنا في أزمة، أحمد حسن الزيات ص 47)، كما رأى آخرون أن هذا النحو لم يوضع بطريقة علمية صحيحة، ولم يتّبع فيه العلماء الأقدمون المنهج العلمي الذي يرون أن الالتزام به كان أدعى إلى الدقة والضبط. وكتب زكريا أوزون كتابه " جناية سيبويه: الرفض التام لما في النحو من الأوهام " وكتب أحمد درويش كتابه: " إنقاذ اللغة من أيدي النحاة "، ورأى المعتدلون ضرورة المراجعة، يقول أحمد حسن الزيات: " وأول ما يجب على المجمع أن ينظر فيه هو توجيه القائمين على تعليم العربية إلى إصلاح الطريقة التي تعلم بها اللغة، فإنها لا تزال تعلم باعتبارها ألفاظا مفردة وقواعد مجردة، لا تتصل بالعقل ولا بالنفس ولا بالحياة " (تاريخ الأستاذ الإمام 2/ 481، وانظر نحو التيسير دراسة ونقد منهجي، أحمدعبد الستار الجواري ص 9) ورأى محمد عبده طريق اكتساب اللغة العربية شاقا فـ " ما أحوج العربي إلى تعلم ما يحتاج إليه من لغته، لكن ما أشق العمل، وما أوعر الطريق وما أكثر العقبات في طريق العربي الساعي إلى تحصيل ملكة لسانه، يُفنِي عمره وهو لا يزال يضرب برجليه في أول الطريق! (النحو العربي بين التطوير والتيسير ص 231، وانظر محنة اللغة العربية لإبراهيم علي أبو الخشب، ومشكلات اللغة العربية لمحمود تيمور).

إذن فأزمة العربية ونحوها أمر لا يسع المنصف إنكاره أو التهوين من خطره، وهناك إجماع من المشتغلين بالدرس النحوي والقائمين على شؤون التعليم على أن في النحو العربي صعوبة وجفافا يحول دون التعلم السليم ... على الرغم من الجهود الجبارة التي يبذلونها، أفرادا ومؤسسات (النكت في تفسير كتاب سيبويه للأعلم الشنتمري 1/ 95 - 60 (تحقيق رشيد بلحبيب)، وانظر سيبويه إمام النحاة علي النجدي ناصف ص159، وفي إصلاح النحو العربي لعبد الوارث مبروك سعيد ص 23).

لقد كان لهذه الحملات التي شنت على النحو العربي - بغض النظر عن طبيعتها وأهدافها - أكبر الأثر في توجيه الإصلاح النحوي في العصر الحديث.

وهذا لا يعني أن القدامى لم يكونوا على علم بما تضمنه النحو من صعوبات فقد أدركوا أن بعض مصادره كانت تعاني من الاضطراب في تتالي الأبواب، و في توزيع جزئيات الباب الواحد، فضلا عن الغموض في العناوين، مع غياب الدقة في المصطلحات وصعوبة الاهتداء إلى مسائل النحو، وعدم التطابق بين العنوان وما تحته، ويمثل كتاب سيبويه خير نموذج لهذه الأحكام، مع أنه يمثل أكمل وأنضج محاولة في التأليف النحوي قديما وحديثا! (إنباه الرواة للقفطي ص 248).

فقد روى المبرد عن المازني أنه قال:" قرأ علي رجل كتاب سيبويه في مدة طويلة، فلما بلغ آخره قال لي: أما أنت فجزاك الله خيرا، وأما أنا فما فهمت منه حرفا. (في إصلاح النحو العربي ص 27).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير