تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولهذا انبرى الخلق لشرح هذا الكتاب والتعليق عليه وشرح عيونه وغريبه ونكته والاستدراك على ما فاته من الأبنية ...

كما تعاني معظم كتب النحو من الطول المفرط الناشئ عن التكرار والاستطراد والحشو ومعالجة المسائل الأجنبية التي لا صلة لها بالنحو، فضلا عن الشغف بالمناقشات والجدل والإغراق في تتبع العلل والإكثار من التقسيمات والتفريعات. (شرح الأشموني 2/ 8)

ومن نماذج ذلك على سبيل المثال، أن الأشموني أوصل معمول الصفة المشبهة إلى اثنتين وسبعين صورة، منها جائز وممتنع، ولكن الصبان أبى إلا أن يبزّ الأشموني في عدد الأقسام، فأوصلها مع تحري الدقة والأمانة إلى أربعة عشر ألفا ومائتين وست وخمسون صورة. (مقدمة في النحو لخلف الأحر ص 34).

لم تغب هذه الصعوبات ومثيلاتها عن إدراك القدامى أنفسهم، فقد استجابوا تلقائيا لدعوة التيسير على مر القرون - على المستويين النظري والتطبيقي- فكانوا يؤلفون المؤلفات الضخمة للمتخصصين، ويؤلفون للناشئة متونا ومختصرات مهذبة.

فقد ألف خلف الأحمر " مقدمة في النحو " قال في بدايته:" لما رأيت النحويين وأصحاب العربية قد استعملوا التطويل وأكثروا العلل وأغفلوا ما يحتاج إليه المتبلغ في النحو من المختصر .. أمعنت النظر في كتاب أؤلفه وأجمع فيه الأصول والأدوات والعوامل على أصول المبتدئين، ليستغني به المبتدئ عن التطويل. (صيغة الفصحى المخففة، محمد شوقي أمين ص 60)

وتطالعنا في كتب التراجم والفهارس عناوين كثيرة تدل على أن القدماء كانوا يدركون بعض مصادر الصعوبة في تعلم النحو، وأن تيسير النحو للناشئة أمر لا مناص منه!

ولذلك بادروا بالتأليف، فقد ألف الكسائي مختصرا في النحو، وألف ابن خياط الموجز في النحو، وألف ابن النحاس التفاحة، وتذكر كتب التراجم والفهارس لابن جني اللمع، ولابن قتيبة تلقين المتعلم، ولابن خالويه المبتدئ، ولابن درستويه الإرشاد في النحو وللمفضل ابن سلمة المدخل إلى النحو، وللزبيدي الواضح في النحو، وللمطرِّزي المصباح، وللشلوبين التوطئة ولأبي الفرج الصقلي مقدمة في النحو ...

وهي مؤلفات يظهر من عناوينها رغبة مؤلفيها في التيسير والإيضاح والإرشاد، كما يطغى عليها الجاني التعليمي!

هذا على المستوى التطبيقي، أما على المستوى النظري، فقد وجدت أيضا حركة إصلاح يمكن تلمس خيوطها عند نحاة كبار من أمثال ابن حزم، وابن مضاء، وابن رشد، وابن الأثير، وابن خلدون.

فقد كان ابن حزم يرى أن التعمق في النحو فضول لا منفعة فيه، بل مشغلة عن الأوكد، ومقطعة عن الأوجب. (الرد على النحاة لابن مضاء ص 87 - 88)

وألف ابن مضاء كتابه " الرد على النحاة " الذي قال في مقدمته:" قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغني النحوي عنه، وأنبه على ما أجمعوا على الخطأ فيه " وانتقد نظرية العامل ووصفها بأنها باطل عقلا وشرعا ولا يقول بها أحد من العقلاء. (الضروري في صناعة النحو لابن رشد (المقدمة ص 4))

كما ألف ابن رشد " الضروري في صناعة النحو " وجعل غرضه من الكتاب أن يذكر" من علم النحو ما هو كالضروري لمن أراد أن يتكلم على عادة العرب في كلامهم، ويتحرى في ذلك ما هو أقرب إلى الأمر الصناعي، وأسهل تعليما، وأشد تحصيلا للمعاني (الضروري في صناعة النحو لابن رشد (المقدمة ص 4) وانظر التجديد في النحو بين ابن مضاء وابن رشد لمحمد عابد الجابري ص 5) وقد أشار في كتابه إلى التداخل بين الموضوعات والمستويات في كتب النحو العربي، وهو تقصير يرجع سببه - كما يرى - إلى أن النحاة " لم يستعملوا في إحصاء أنواع الإعراب القسمة الصحيحة التي لا يعرض فيها تداخل ...

كما ذهب ابن الأثير إلى أن واضع النحو جعل الوضع عاما " فإذا نظرنا إلى أقسامه المدونة وجدنا أكثرها غيرَ محتاج إليه في إفهام المعاني (تيسير النحو التعليمي، شوقي ضيف 13). وكان الجاحظ قبل هؤلاء يوصي المعلم بأن يترفق بالصبيان في تعليم النحو " أما النحو فلا تشغل قلب الصبي منه إلا بقدر ما يؤديه إلى السلامة من فاحش اللحن ... وما زاد على ذلك فهو مشغلة عما هو أولى به ... " إلى أن قال:" وعويص النحو لا يجري في المعاملات ولا يضطر إليه شيء. (اللغة والنحو بين القديم والحديث عباس حسن ص 71 وانظر في إصلاح النحو العربي ص 22).

والجدير بالذكر هنا، أن علماء النحو القدماء - رغم ما ذكر - لم يدركوا من هذه الصعوبات إلا القليل، لقربهم من عصور السلامة، وقدرتهم على تحصيل الملكة " وحتى تلك العيوب المحدودة لم تنل منهم اهتماما كافيا، فقد عالجوها فرادى، من غير أن يعرض لها إمام بالتجميع والحصر ووصف العلاج ... على كثرة الأئمة الباحثين، وفيض الكتب والرسائل التي تتصدى للنحو وقضاياه. (في إصلاح النحو العربي ص 22)

لكن في العصر الحديث، ومع مطلع القرن العشرين تحديدا، ومع ظهور الاهتمامات اللغوية المتأثرة بالنظريات اللغوية والنحوية الحديثة، و بالمناهج الوصفية والمقارنة والتقابلية ... كل ذلك ساعد على فهم طبيعة النحو ووظيفته، وأسهم في اكتشاف بعض عيوب النحو وصعوباته على مستوى أعمق وأكثر موضوعية.

ولعل من أقدم المحاولات لإصلاح النحو محاولة رفاعة الطهطاوي 1873 م صاحب كتاب " التحفة المكتبية في تقريب اللغة العربية " ثم حفني ناصف في " قواعد اللغة العربية "، ومحاولة علي الجارم ومصطفى أمين في " النحو الواضح " ثم تتالت المحاولات مع إبراهيم مصطفى، وحسن الشريف، وأمين الخولي، ويعقوب عبد النبي، وشوقي ضيف، وعبد المتعال الصعيدي، وأحمد برانق فضلا عن قرارت المجامع اللغوية. (تبسيط قواعد اللغة العربية، حسن الشريف - الهلال مجلد 46، ص 1110).

(للحديث بقية)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير