تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال آخرون: كلا، تكون بمعنى حقا.

وقال قوم: كلا، رد وإبطال لما قبله من الخبر، كما أن (كذلك) تحقيق وإثبات لم قبله من الخبر، قال: والكاف في قوله (كلا) كاف تشبيه، و (لا) نفي وتبرئة.

(283)

وقال بعضهم: كلا، تنفي شيئا، وتوجب غيره.

فهذا ما قيل في (كلا).

وأقرب ما يقال في ذلك: أن (كلا) تقع في تصريف الكلام على أربعة أو جه:

أولها: الرد، والثاني: الردع. والثالث: صلة اليمين وافتتاح الكلام بها كألا، والوجه الرابع: التحقيق لما بعده من الاخبار.

وسأذكر ما جاء منها في كتاب الله عزوجل، على ترتيب هذه الوجوه الثلاث حكاية لمقالة من زعم: أن (كلا) منحوتة من كلمتين وأن الكاف للتشبيه والرد على قائل ذلك إن شاء الله تعالى.

زعم بعض المتأخرين أن (كلا) رد وإبطال لما قبله من الخبر، كما أن (كذلك) تحقيق، وإثبات لم قبله من الخبر، والكاف في (كلا) كاف تشبيه، وزعم أن أصل (كلا): التخفيف، إلا أنهم كانوا يكررون (لا) فيقولون: هذا الشيء كلا ولا. ثم حذفوا إحداهما، وشددوا الباقي طلبا للتخفيف، قال: ومنه قول الشاعر:

قبيلي وأهلي لم الاق مشوقهم * لوشك النوى إلا فواقا كلا ولا (37)

قال: وربما تركوه على خفته ولم يثقلوه، وذلك كقول ذي الرمة:

أصاب خصاصة فبدا كليلا * كلا وأنغل سائره انغلالا (38)

ومنه قول جرير:

يكون وقوف الركب فيها كلا ولا * غشاشا، ولا يدنون رحلا إلى رحل (39)

وهذا كلام مدخول من جهتين:

إحداهما: أنه غير محفوظ عن القدماء من أهل العلم بالعربية.

والثانية: أنه مما لا يتأيد بدليل.


(37) لابي تمام في ديوان 225، وأبن فارس ـ هاهنا ـ يرويه لا مستشهدا به، وإنما حكاية عمن استشهد به من المتأخرين.
(38) الخصاصة: فرجة. والكليل: الضعيف. وانفل: غاب ودخل. الديوان 3|1518.
(39) يريد أنهم لا يحطون عن إبلهم، إنما يخفق أحدهم خفقة ثم ينتبه مسرعا كقولك: لا ولا، تريد السرعة، والغشاش: وصف للسرعة المقصودة في (لا ولا).
وهو برواية (يكون نزول الركب. . .) في الديوان 2 | 949.

(284)

والفرق ما بين (كلا)، مشددة و (كلا) مخففة بين جدا (40). وذلك أن قول القائل: هذا شئ كلا، وإنما هو تشبيه الشيء، وحقارته، وقلته وأنه لا محصول له ب (لا)، وذلك أن (لا) كلمة نفي. وأما (كلا) فكلمة مشددة بعيدة التشبيه بلا.
وبإعتبار (41) ما قلناه: أنك لو حملت قوله تعالى (كلا والقمر) (42) على معنى أنه: كلا ولا القمر، لكنت عند أهل العربية كلهم مخطئا. لان (كلا ولا) ليس بموافق لقوله: والقمر.
فإن قال قائل فما الاصل فيها · قلنا: أن (كلا) كلمة موضوعة للمعاني التي قد ذكرناها مبنية هذا البناء، وهي مثل: أن ولعل وكيف، وكل واحدة من هذه مبني بناء يدل على معنى، فكذا (كلا) كلمة مبنية بناء يدل على المعاني التي نذكرها.
وهذا قول لا إستكراه فيه.
باب
الوجه الاول من (كلا) وهو باب الرد
إعلم أنك إذا أردت رد الكلام ب (كلا) جاز لك الوقف عليها، لان المعنى قد تم عند الرد، وذلك أن تقول: كلا، لقائل: أكلت تمرا (43) أي: إني لم آكله. فقولك: كلا، مبني على خبر قد ذكره غيرك، ونفيته أنت.
قال الله عزوجل في قصة من قال: (لا وتين مالا وولدا. اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا. كلا. . .) (44) أي: إنه لم يطلع الغيب، ولم يتخذ العهد، وأصوب ما يقال في ذلك أن (كلا) رد للمعنيين جميعا وذلك أن الكافر ادعى (45)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير