تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور *) (1)، ليتضح في التصوير القرآني عظم الدلالة من خلال هيأتين متقابلتين ونموذجين مختلفين، فبعد أن أوضحت الصورة الفنية الأولى الشعاع الكاذب في السراب والالتماع الخلب في البيداء، عقبت ذلك بنقيض الشعاع والالتماع وبعد تصوير الخيبة من الظفر بالسناء، عقبته بالظلمات المتراكمة بعظها فوق بعض والفوقيات المتراكبة طبقاً عن طبق فهي ظلمات في بحر لا قعر له، عميق غزير المياه، تحوطه الأمواج المتدافعة، والسحب الثقال، والظلمات المتعاقبة في ثلاثة مظاهر من ظلام الليل، وظلام الغمام، وظلام البحر حتى ليخطؤه تمييز يده، فلا يرى ذلك إلا بعد عسر وحرج، أو لا يرى ذلك أصلاً، وأنى له الرؤية، وقد انغمس في ظلمات الكفر وارتطم بمتاهات الضلال، فانعدمت الرؤية وانطمست البصيرة، فهو في شبهات لا نجاة معها، ومن لم يقدر له الخلاص من الله فلا خلاص له» (2).

يقول الأستاذ مالك بن نبي عن هذه الآية: ـ

«فهذا المجاز يترجم على عكس سابقه عن صورة لا علاقة لها بالوسط الجغرافي للقرآن، بل لا علاقة لها بالمستوى العقلي أو المعارف البحرية في العصر الجاهلي وإنما هي في مجموعها منتزعة من بعض البلدان الشمالية التي يلفها الضباب، ولا يمكن للمرء أن يتصورها إلا في النواحي كثيفة الضباب في الدنيا الجديدة، فلو افترضنا أن النبي رأى في شبابه منظر البحر فلن يعدو الأمر شواطئ البحر الأحمر أو الأبيض ومع تسليمنا بهذا الفرض فلسنا ندري كيف كان يمكن أن يرى الصورة المظلمة التي صورتها الآية المذكورة؟ وفي الآية فضلاً عن الوصف الخارجي الذي يعرض المجاز المذكور سطر خاص بل سطران: أولهما: الإشارة الشفافة ألى تراكب الأمواج، والثاني: هو الإشارة إلى الظلمات المتكاتفة في أعماق البحار، وهاتان العبارتان تستلزمان معرفة علمية بالظواهر الخاصة بقاع


(1) سورة النور: 40.
(2) ظ: المؤلف، الصورة الفنية في المثل القرآني: 281 - 282.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير