تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا ما دفع أستاذنا الدكتور مسعود بوبو إلى الحديث عن عناية هؤلاء العلماء بهذا الجانب اللغوي، فقال: "لقد أولى اللغويون العرب القدماء هذا الجانب اللغوي عناية خاصة، تناولوا فيه الغريب من الألفاظ بالبحث الجاد والمعالجة المتأنية، بل لقد كان هذا اللون من البحث الذي أقيمت عليه الدراسات اللغوية عندهم بصورة عامة غداة شرعوا في التماس المعاني الدقيقة لما غمض واشتبه عليهم من ألفاظ القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وأفردوا لهذا الغرض الكتب المطولة التي ما زالت مراجع لا غنى عنها للاطمئنان إلى سلامة الدّلالة اللغوية وصحتها عند تحري الدّقة وصحة الاحتجاج في قضايا الغريب". (6)

ولعل أقدم من تناول البحث في غريب القرآن أبو سعيد أبان بن تغلب بن رباح البكري (ت 141ه‍) الذي قال فيه ياقوت "صنّف [أبان] كتاب الغريب في القرآن وذكر شواهده من الشعر". (7) ثم تعاقبت كتب كثيرة في غريب القرآن، ومن الذين ألفوا فيه: أبو فيد مؤرخ السدوسي (ت 195ه‍) وأبو محمد يحيى ابن المبارك اليزيدي (ت 202ه‍) والنضر بن شميل (ت 204ه‍) وأبو عبيدة مَعْمَر بن المثنى (ت 213ه‍)، وأبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت 216ه‍) والأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة (ت 215 أو 221ه‍)، وأبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224ه‍) ومحمد بن سلام الجمحي (ت 231ه‍)، وابن قتيبة (ت 276ه‍) وثعلب (ت 291ه‍). (8). وقد وصل إلينا من كتب هؤلاء المؤلفين كتاب (غريب القرآن) لابن قتيبة. (9) وكتب الغريب هذه كتب لغة، على الرغم من أنّها لم تكن خالصة للغة، ألّفها لغويون بارزون عند العرب، وهذا شيء طبيعي؛ لأن علم الغريب علم يُعنى بشرح الكلمات الغريبة. ويفسّر المعاني الخفيّة والأساليب الغامضة، فيجلو معناها ويكشف عن مراميها. (10) ومن يَعُدْ إلى كتاب (غريب القرآن) لابن قتيبة (ت 276ه‍) يجد سعة العلم، وغزارة المادة، من خلال تفسير المفردات الغريبة تفسيراً لغوياً مؤيَّداً بالشواهد الشعرية الكثيرة، والأحاديث النبوية الشريفة، كما يجد أنَّه مزّج بين منهج المفسرين وعلماء اللغة، ولذلك قال الدكتور حسين نصار:

"ومنهج كتاب ابن قتيبة خليط من منهج كتب اللغة، وكتب التفسير، فهو يضم ظواهرهما معاً. فبينما يفسر الألفاظ لغوياً، ويستشهد عليها بالأشعار والأحاديث وأقوال العرب، ويبيّن وزنها أحياناً، يفسّرها قرآنياً، فيبيّن في السور المدني من المكي أحياناً، ويقتبس أقوال مشهوري المفسرين" (11).

وهذا يعني أنَّ علماء غريب القرآن، أسهموا في تفسير المفردات الغربية في القرآن الكريم، وتوضيح دلالاتها وبيان مراميها وأساليبها، وعملهم هذا يُعدُّ خطوة من خطوات الدراسة اللغوية عند العرب، يدخل- بقدر كبير- تحت الدراسة الدلالية للألفاظ.

2 - جهود علماء القراءة:

علم القراءة علم يضبط قراءة القرآن ومخارجها ووجوه أدائها: غُرِست بذور هذا العلم في تربة الحركة العلمية التي أخذت تدرس القرآن، في مراحل مبكرة، أيام الصحابة الذين توافدو على الأمصار المفتوحة كالبصرة والكوفة ... ، واشتهر بالإقراء سبعة، منهم عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وأبَي، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، وكلهم يسند إلى الرسول (. (12) وشرعوا يُقْرِئون الناس آيات الذكر الحكيم، وخير مثال على ذلك ما قام به أبو موسى الأشعري (ت 44ه‍) الذي قَدِم البصرة والياً عليها من قبل عمر بن الخطاب سنة سبع عشرة للهجرة، وكانوا يطلقون على مصحفه اسم (لباب القلوب)، وكان يطوف على الناس في مسجدها، فيقعدهم حلقة ويقرئهم القرآن الكريم خمسَ آيات خمسَ آيات ولما نُمِي خبر إقرائه إياهم إلى عمر أعجبه ذلك فنعتهم بالكياسة. (13)

ثم تعاقب التابعون وتابعوهم على إقراء الناس، وممّا يلفت النظر أنَّ الروّاد الأوائل الذين وضعوا نقط المصحف وضبطه تعاقبوا على الاقراء في البصرة، فكانت حركة الاختيار عند هذه الطبقة تساير نمو علم العربية. وفي طليعة هذه الطبقة أبو الأسود الدؤلي (ت 69ه‍) مؤسس علم النحو، وأول من نقط المصحف نقط الاعراب، وقد أخذ القراءة عرضاً على علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وعنه أخذ النحو والقراءة يحيى بن يعمر (ت 129ه‍)، ونصر بن عاصم (ت 90ه‍) اللذان كان لهما في نقط المصاحف شأن، حتى لقد اُدعي لكلّ واحدٍ منهما أنّه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير