تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بُذور الدّراسة الدلالية لألفاظ القُرآن الكَريم - د. سَعُد الكردي

ـ[أم هشام]ــــــــ[22 - 08 - 2006, 12:12 ص]ـ

بُذور الدّراسة الدلالية لألفاظ القُرآن الكَريم - د. سَعُد الكردي

نشأ البحث في دلالة الألفاظ- عند العرب - في مرحلة مبكرة ابَّان قيام الحركة العلمية الناشطة حول القرآن الكريم، الذي نزل بلغة العرب المثالية، فارتبطت به ارتباطاً وثيقاً. ولمّا كان القرآن الكريم (دستور) المسلمين الذي يوضح لهم أمور دينهم ودنياهم تعيّن عليهم قراءته وحفظه وفهمه.

وحين عرضوا لذلك، استوقف بعضَهم غموضُ بعض ألفاظه، فمسّت الحاجة إلى تفسيره تفسيراً لغوياً يزيل ذلك الغموض، وكثرت الحاجة إلى معرفة المفردات ومعانيها، فزادت عناية العلماء بها، استجابة لتلك الحاجة، فالتفتوا إلى آثارهم الأدبية التي تحمل في طواياها ألفاظ العربية، وتراكيبها، وطرائقها في التعبير بعدما جمعوها، وراحوا يستنبطون منها، ما يحتاجون إليه، في فهم كتابهم العزيز، وهكذا قامت حلقات العلم، التي غُرِسَت في تربتها بذور الدرس اللغوي، ممّا أدّى إلى ابتعاث اللغة، ودراستها دراسة وضحّت معاني مفرداتها، ومعالمها الصوتية والصرفية والنحوية، وتعاقب على تلك الدراسة أجيال من العلماء، لجعل اللغة علماً مضبوطاً، يَسْهُل تعليمها، ويحقق علماؤها الهدف الذي قامت من أجله دراستهم تلك، وهو الحفاظ على القرآن من اللحن، وفهمه، والوقوف على سرِّ إعجازه، ولذلك كان القرآن هو المحور، الذي دارت عليه، فبقيت اللغة طوال القرن الأول للهجرة، وشطراً من القرن الثاني، حملية على غيرها من العلوم الدينية (1).

وقد نمت هذه الحركة العلمية اللغوية، التي دارت حول القرآن، على يد علماء الدين- أول مرة- الذين عكفوا على تلاوة القرآن، ودراسته آناء الليل وأطراف النهار، باذلين من ذات أنفسهم أبلغ الجهد، لفهم مقاصده، وتبليغها للناس، ممّا دفع بعضهم إلى القول (نشأت الرواية على يد القراء والمفسرين). (2) الذين رأوا أنَّ التعمق في دراسة اللغة أمر ضروري يمكنّهم من فهم القرآن، وهذا ما صرّح به (دي بور) بقوله: "وأكبر ما جعل التعمق في دراسة اللغة أمراً ضرورياً، هو اشتغال المسلمين بمدارسة القرآن وقراءته وتفسيره". (3).

وهذا ما قصده عبد المجيد عابدين بقوله: "اتصل الدّين باللغة اتصالاً وثيقاً في العصور الإسلامية كلهِّا، وكان الباعث على اهتمام علماء اللغة بجمع الشواهد اللغوية، وتقعيد اللغة باعثاً دينياً، وهو ضبط نصوص القرآن الكريم، وتعليم الطلاب لغة القرآن، وجرت مناهج التعليم منذ أقد العصور الإسلامية على المزج بين المعارف الدينية واللغوية ... ومِنْ ثَمَّ كان اللغوي غالباً رجلَ دِيْنٍ، ولا ترى عالماً من علماء اللغة القدامى، إلاّ كان مُقْرِئاً أو مفسِّراً أو مُحَدِّثاً أو متكلِّماً أو فقيهاً". (4).

وفي الحقيقة إذا عُدْنا إلى تراثنا الدّيني واللغوي نجد أنَّ الذين اهتموا بتفسير مفردات القرآن هم المفسرون وعلماء القراءة- في بداية الأمر- ثم علماء الغريب والأشباه والنظائر في القرآن، وعلماء اللغة، فيما بعد، ومن هنا كانت كتب التفسير والقراءة والغريب ... ، من المظان الغنية بالثروة اللغوية، وبعد أنْ انفصلت اللغة عن علوم الدين، أخذت تصبّ تلك الظواهر اللغوية، في كتب اللغة. والذي يهمّنا في هذه الفقرة أنْ نُوجِز القول بصفحات يسيرةٍ عن الجهود التي بذلت في بيان معاني مفردات القرآن الكريم ودلالاتها، ومن أهم تلك الجهود:

1 - جهود علماء غريب القرآن:

كان القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، سبب ظهور (علم الغريب) لوجود كلمات فيهما تحتاج إلى تفسير وتوضيح، باعتماد العرف اللغوي السائد آنذاك. فبدأت الدراسة، في هذا الميدان، من ميادين اللغة، بالبحث عن معاني الألفاظ الغريبة فيهما، وتوضيح معانيها ومراميها وأساليبها، وتأييد ذلك التفسير والتوضيح، بالشواهد، من شعر العرب.

ولقد اهتمّ العلماء بهذا الجانب من البحث اللغوي اهتماماً كبيراً، فذكرت لهم كتب التراجم والطبقات كتباً كثيرة في هذا الميدان. (50).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير