حكاية سحَّارة (2)
ـ[معاوية]ــــــــ[14 - 09 - 2006, 10:36 م]ـ
خرافة من كتاب خرافي
لعبد الله بن محمد الغذامي ....
2 - حكاية سحَّارة
(ما جاء عن ديوان لا يصلح للنشر)
-1 -
بعد الحديث عن حكاية السحَّارة وما تنطوي عليه من أوراق ووثائق، أنشر أحد التقارير التي وجدتها ضمن محتويات هذه السحَّارة. وهو تقرير عن ديوان بعث به صاحبه إلى دار نشر كبرى في ذلك الزمن. واسم هذه الدار كما ورد في التقرير المخطوط هو (دار عبقر) وتحت ذلك شعار ينص على أن هذه الدار تختص بنشر عيون الشعر وتركز على الفحول من الشعراء.
ويبدو أنها من دور النشر العريقة التي لم نعاصر نشاطها ولم نحظ بشرف التعامل معها أو التعرف إليها.
والذي يظهر من التقرير المخطوط هو أن هذه الدار تحرص على صيانة التراث والثقافة من كل ما يسيء إلى سمعة الدار أولاً وإلى تربية الناشئة ثانيًا. وهذا هو ما يوحي به التقرير.
أما صاحب التقرير ومعده فهو رجل خط اسمه وتوقيعه على ذيل كل ورقة من أوراق التقرير، وهو: حداد بن حارث الجزاري. ويظهر من لغته ومن عباراته أنه رجل شديد الغيرة على الذوق وعلى تربية الأجيال وعلى نقاء الثقافة ونصاعتها. ولذا فإنه قد كتب تقريرًا تظهر فيه هذه الغيرة وذلك الحرص.
أما صاحب الديوان فهو رجل اسمه أحمد حسين ولقد بعث الأخ أحمد حسين بديوانه إلى (دار عبقر) راغبًا في نشره لدى هذه الدار كي يكون من فحول الشعراء ومن أصحاب العيون الشعرية. وهذا ما حدا بالدار لأن ترسل الديوان إلى الأستاذ (حداد بن حارث الجزاري) لكي يفتي في أمر هذا الديوان.
ولقد تمكن الأستاذ حداد بن حارث الجزاري من كشف تهافت هذا الديوان، ومن فضح سقطاته فراح يحذر (دار عبقر) من مغبة نشر مثل هذا العمل الفج وما ينطوي عليه من مثالب تضر بالأجيال وبثقافة النشىء وذائقة القُراء.
وإليكم نص التقرير - كما وجدته مخطوطًا في هذه السحَّارة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد مدير عام دار عبقر (متخصصون بنشر عيون الشعر ودواوين الفحول).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أقدر لكم غيرتكم الكبيرة على لسان العرب وأُكبِرُ فيكم إحساسكم الصحيح بحق أهل العلم والفضل لكي يكون لهم الرأي الفصل بشأن ما يصح نشره في الدار وما لا يصح.
وتعلمون أنني قد كتبت لكم حتى الآن خمسين تقريرًا عن خمسين ديوانًا كلها لا تصلح للنشر ولا يجوز نشرها في داركم الموقرة لأنها تنطوي على فساد لغوي وذوقي مشين، ولكونها تخالف العرف والتقاليد التي تعلمناها من معلمينا الأفاضل عن معنى الشعر وشروطه، وعن حدود التعبير والذوق.
وإنني لأشكركم إذ صرفتم النظر عن هذه الدواوين التي أوصيتكم بإهمالها، وآخرها ذلك الديوان العجيب الذي سماه صاحبه (سقط الزند) وهو حقًا سقط لا يخرج منه قارئه بغير الدعاء على صاحبه بأن يعمي الله عينيه معًا وبأن يستر على داركم الموقرة وأن يحفظها من نشر مثل هذا الغثاء الذي لا يقوله إلا من عميت بصيرته.
وإني لممتن بأن توفقتم بالتشاور معي لأكون سدًا حصينًا أحمي داركم من هؤلاء العابثين.
أما الذي بين يدينا وهو ديوان قدمه المدعو أحمد حسين، فإني أبادر بالتحذير من نشره وهذه هي الأسباب:
ـ[معاوية]ــــــــ[15 - 09 - 2006, 08:35 ص]ـ
أولاً- إن صاحب الديوان رجل نكرة لم نسمع به ولم نره من قبل، ولست أرى موقعًا للنكرات في عالم الفحول.
ثانيًا- يظهر من سيرته الذاتية أنه فتى لما يزل صغيرًا فهو غض ولم يستو عوده بعد - ولو زعم أن عمره أكبر من عمر طرفة العبد أو أبي القاسم الشابي فإننا نقول: إنك لن تبلغ شأن الأوائل مهما فعلت.
ثالثًا- يظهر عليه الغرور الشديد والاعتداد بنفسه فهو يقول مثلاً:
أمِطْ عنك تشبيهي بما وكأنه
......... فلا أحد فوقي ولا أحد مثلي
ويقول:
وإني لمن قوم كأن نفوسنا
. ..... بها أنف أن تسكن اللحم والعظما
ويقول:
أنا صخرة الوادي إذا ما زوحِمتْ
......... وإذا نطقت فإنني الجوزاء
ويقول ما هو أعجب من ذلك وأخطر ولننظر قوله:
أي محل أرتقي ـ أي عظيم أتقي
وكل ما قد خلق الله ـ وما لم يخلقي
مُحْتَقَرٌ في همتي ـ كشعرة في مفرقي
هذا ما يقوله أحمد حسين صاحب الديوان: وفي ذلك ما فيه من غرور وكذب ومباهاة بالنفس، إضافة إلى أن فيه عيبًا من عيوب القوافي التي لا يقبلها العلماء وهو (التضمين) ما بين البيت الثاني والثالث، وهو عيب لا يرضاه أهل العروض وأهل النظم.
وفي الديوان أبيات من هذا القبيل الذي ينم عن غرور وغطرسة وكبرياء.
ـ[معاوية]ــــــــ[15 - 09 - 2006, 12:59 م]ـ
رابعًا- يقوم شعره كله على مديح يغالي فيه ويستميت في الشحاذة والاستجداء. وقد يبلغ به الأمر أن يمدح الرجل ثم يعود فيهجوه. وقد فعل ذلك مع زعيم عربي معروف وعرَّض بالزعيم وبدولة الزعيم، وهي دولة عربية شقيقة وذكرها بالاسم الصريح، وقال عن الزعيم: (لا تشتري العبد إلاّ والعصا معه) فأساء للبلد وزعيمها كما أنه أظهر عنصرية واضحة، وهذا يدل على بذاءة المدعو أحمد حسين وقلّة ذوقه وانعدام كياسته.
خامسًا- ويزيد على ما سبق أن في أشعاره لحنًا واضحًا يتكرر في عدد من الأبيات، وقد وضعت أقواسًا وعلامات على الصفحات تدل عليها. كما أنني لمست مداخل على عقيدته في أبيات عدة وضحتها بعلامات حمراء.
ويضاف إلى ذلك أنه يحاول محاكاة الفحول في مطالع القصائد فأتى ببعض المطالع الغزلية، ولكن غزله بارد وجاف لا يطرب له سامع ولا يهتز له قارئ.
وفي شعره كثير من المعاني الساذجة المبتذلة ومن أمثلة ذلك قوله:
¥