تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حكاية سحَّارة (9)

ـ[معاوية]ــــــــ[22 - 09 - 2006, 02:36 ص]ـ

.................................................................

قراءة من كتاب خرافي ..

.................................................................

لعبد الله بن محمد الغذامي ....

9 - حكاية سحَّارة

-1 -

ضاق صدر مدرستنا ...

هذه هي الجملة التي احتلت رؤوسنا على مدى أسابيع، وذلك بعد أن لاحظ الجميع أن ممرات المدرسة أخذت تضيق وبدأت المسافات ما بين جدار وجدار تتقلص، حتى إن فناء المدرسة الفسيح عادة والمفتوح الصدر صار يبدو ضيقًا حرجًا.

ولم يكن أحد منا يهتم بهذه الملاحظة التي كانت تبدو في البداية وكأنها أمر عادي لا يلفت الانتباه، ولا يثير الحفائظ.

إلا أنه ومع مرور الزمن وتفاحل أمر هذه التقلصات واشتداد ضيق الممرات وتقلص مساحة الفناء، فإننا صرنا نجد حرجًا ومشاكل من المرور عبر دهاليز المدرسة خاصة في فترات تغيير الحصص وخروج أفواج التلاميذ من فصولهم، حيث تتراكم الأجساد البشرية على بعضها في مساحات ضيقة يصل الضيق فيها إلى حدود الاختناق عند مفارق الممرات.

ولقد أدى بنا هذا الوضع إلى التفكير في تعديل مواعيد خروج الطلاب من فصولهم لكي نتلافى هذه الاختناقات المرورية داخل مبنى المدرسة.

ـ[معاوية]ــــــــ[22 - 09 - 2006, 10:53 م]ـ

ـ 2 ـ

كان اجتماعنا مع سعادة الأستاذ حسون، ناظر المدرسة في يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر صفر الخير مخصصًا لبحث هذه المسألة: مسألة تعديل مواعيد الحصص وتوزيع الفترات، ولقد دام الاجتماع ساعات مديدة استعملنا فيها كافة الوسائل الكفيلة بمواجهة مشكلة الممرات. ومن الغريب أننا لم نتسائل ـ وقتها ـ عن السبب وراء هذا التغير المفاجئ في سيكولوجية مبنى المدرسة وفي نفسية الجدران والأعمدة. واكتفينا بمحاولة معالجة مرور الطلاب عبر هذه السرادقات الضيقة التي صارت الآن تشبه أنابيب مجاري المياه. وقد كانت ـ من قبل ـ باحات واسعة هانئة.

وبعد انتهاء الاجتماع والاتفاق على جداول المواعيد انصرفنا إلى بيوتنا حيث ألهتنا إجازة نهاية الأسبوع عن المدرسة وإشكالاتها، وحينما عدنا إلى المدرسة صباح يوم السبت الثامن عشر من شهر صفر فوجئنا أن الفصول ـ أيضًا ـ قد تقلصت مساحاتها. والقاعة التي كانت تمتد خمسة عشر مترًا في طولها وسبعة أمتار في عرضها صارت أقل من نصف هذه المساحة، وتراكمت الكراسي داخل القاعة وتلاصقت وتراكب بعضها على بعض، وتلاصقت النوافذ التي كان يفصل فيما بينها بعض أمتار.

وهنا أحسسنا بالخطر وبالضيق وبالقلق. وتداخلت النظرات والوساوس والشكوك فيما بيننا. وران علينا صمت مطبق عجزنا معه عن التكلم وعن التفكير. ولم يعد لفكرة تعديل مواعيد الحصص من معنى، حيث بلغ الضيق كل قاعات المدرسة وأركانها وممراتها، حتى إن السقف ذاته تهابط ودنا إلى الأسفل إلى درجة أن رؤوسنا صارت تلامس السَّقف وتصطدم به أحيانًا.

ـ[معاوية]ــــــــ[23 - 09 - 2006, 03:07 م]ـ

ـ 3 ـ

ضاق صدر مدرستنا ...

هذا ما قاله (سمير) وهو يدخل إلى قاعة فصله صباح ذلك اليوم، ولقد تظاهرت بأنني لم أسمع ملاحظته هذه ولم أنتبه إليها، وظللت واقفًا على مدخل قاعة الفصل عاجزًا عن قول أي شيء أو فعل أي شيء. وكان الطلبة يدخلون واحدًا تلو الآخر صامتين ساكتين ـ حسب القاعدة التي دربهم عليها سعادة الناظر وألزمهم بها ـ.

كان الصمت هو سيد الموقف وهو شعار المدرسة وهو منهج العمل ... هذا هو ما تقتضيه النظرية الجديدة للأستاذ حسون. ولقد كان الصمت ـ أيضًا ـ هو حالتنا ذلك اليوم.

ـ[معاوية]ــــــــ[23 - 09 - 2006, 08:39 م]ـ

ـ 4 ـ

كنا صامتين ساكتين، والضيق يأخذ أغلى ما في مدرستنا وهو صدرها الرحب الفسيح.

وذلك الصدر الفسيح الذي كان عنوان مدرستنا وعلامة وجودها يتلاشى الآن يضيع من بين أيدينا، وليس لنا حول أو طول لكي نوقف حركة الجدران والأعمدة واكتساحها للمكان.

لقد كنت أرقب الوضع وأشاهد التغيرات المفاجئة هذه وينعقد لساني عن مواجهة الحادثة، ولم يشغلني شيء مثلما شغلني الخوف من احتمالات انفجار الطلبة بالأسئلة والتساؤل عما حدث.

وهي أسئلة لو صارت لوضعتني في حرج لا أقوى على الفكاك منه، فأنا لا أعلم كيف حدث هذا (الضيق) ولا لماذا. وأدهى من ذلك وأمرّ أنني لا أعرف كيف الخلاص من هذه الحالة.

ولقد ظللت وقتًا وأنا على مدخل القاعة مديرًا ظهري نحو الطلاب إذ لا وجه لي لأطالع فيهم بعينين عاجزتين ولسان معقود وبصيرة معطلة. ولم يحركني من هذا الجمود سوى يد سمحة هينة من أحد الطلاب امتدت نحوي بصمت وسكينة تستأذنني بمسح السبورة وتهيئتها للدرس الجديد الذي يفترض أن يكون عن (علامات الترقيم) وهو درس يفترض أنه يحدد العلاقات ما بين الجمل والعبارات ويرسم حدود الحركة داخل الكتابة ويعين على تقرير حالات النطق والصمت ما بين المقروء والمكتوب.

أشرت إلى تلميذي بالجواب وذلك بأن وضعت يدي على رأسي وحككت شعري ثلاث مرّات وهذا معناه نعم امسح السبورة، حسبما درسنا ودربنا أستاذنا العزيز الأستاذ حسون ناظر المدرسة.

...

انتهت الحكاية التاسعة

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير