تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم إن الثابت أن اللغة السريانية تكتب بكتابتين هما كتابة "سِرطُو" (= السطر) وكتابة "الإسترانجيلو" (= [الكتابة] المستديرة). [8] ومن المعروف أن السريان الذين يستعملون كتابة "سِرطُو" قد شكَّلوها بالحركات اليونانية فأصبحت كتابتهم خليطاً من حروف سامية ساكنة وحروف يونانية صائتة. فلو كان للسريان الذين يستعملون كتابة "الإسترانجيلو" عهدٌ بحركات وضعها إخوانهم الذين يستعملون كتابة "سِرطُو" التي تشكل بالنقط لأخذوها عنهم بدلاً من إقحام الأحرف اليونانية في أبجديتهم السامية التي خسرت خصوصيتها الثقافية بعد ذلك الإقحام. [9]

ويذهب أنيس فريحة إلى أبعد من ذلك ويتبعه في خلطه فؤاد حنا ترزي دونما أي تحقيق، فيقارن بين المصطلحات النحوية السريانية ومثيلاتها العربية، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن العرب أخذوا مصطلحاتهم عن السريان لأنها تدل على المعاني ذاتها! مثال:

المصطلح السرياني = المصطلح العربي

شِما ذِي عَبْدا = اسم الفاعل

مَلُّوثُوثا = الإضافة

شِما ذا زْبَنْتا = اسم المرة

شُمّاها = الصفة

مِلِّيثا = الفعل

إذاً يعتبر أنيس فريحة وجود معاني اسم الفاعل والإضافة واسم المرة والصفة والفعل في العربية دليلاً على تأثير النحوي السرياني في النحو العربي لمجرد ورودها فيه! فماذا نقول عن اللغات التي توجد هذه المصطلحات فيها قبل السريان وبعدهم؟ هل نقيس على منطق أنيس فريحة الأعوج ونقول إنها متأثرة بالنحو السرياني؟! هل نقول إن المقابلات اللاتينية للمصطلحات أعلاه (باضطراد: participium activum, status constructus, nomen unitatis, adiectivum, verbum) من السريانية أيضاً؟! وهل نقول إنها في الهولندية، على سبيل المثال، من السريانية أيضاً، لأن هذه المصطلحات موجودة في الهولندية أيضاً؟! إن من يزعم زعماً كهذا مثل مَن يزعم أن كلمة "أم" عربية وجمعها على "أمهات" سرياني بسبب إضافة /الهاء/ في الجمع [10]، ناسياً أنه لا توجد لغة على وجه البسيطة يستعير أصحابها كلمات بدائية مثل "أب" و"أم" و"أخ" من لغة أخرى، وجاهلاً أن إضافة الهاء في بعض حالات الجمع ظاهرة سامية عامة وليست مخصوصة بلغة سامية دون غيرها! ونحن إذا التمسنا العذر للأب رافائيل نخلة اليسوعي صاحب المقولة الأخيرة لأنه رجل دين تراكمت لديه تراكمات ثقافية معينة استغلها في بعض الكتابات الطريفة التي لا يمكن بحال من الأحوال اعتبارها كتباً علمية لأنه يورد ما تراكم لديه من معلومات "على البركة" دون أدنى تفكير أو إعمال للعقل في ما يورد، فإننا في الوقت نفسه لا نستطيع فهم الخلط الشديد الذي يأتي به أنيس فريحة ويورده على علاته فؤاد حنا ترزي وهو أستاذ جامعي. هذا خلط أنتج آراء فاسدة لا يقول بها عالم بأصول علم اللغة المقارن لأنها آراء مبنية على التخمين والأحكام المسبقة وربما الشعوبية المبطنة، مثل تخمين من ظن أن الخليل بن أحمد الفراهيدي أخذ ترتيبه الصوتي لكتاب العين عن الهنود فقط لأن معجمه لا يعتمد الترتيب الألفبائي المعهود، مثل أبجدية "ديفاناجاري" الهندية التي لا تعتمد الترتيب الألفبائي المعهود أيضاً، وهو التخمين الذي ما تجاوز قط "كونه خاطرة" [11] لم يلتفت إليها أحد لأنها تفتقر إلى أي أساس علمي.

عبدالرحمن السليمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحواشي

[1] يعتبر كتاب العين للخليل أقدم معجم في التاريخ. انظر كتاب: Haywood J.A., Arabic Lexicography ... Leiden, 1960. .

[2] محاضرات الأستاذ ليتمان. نقلا عن أحمد أمين، ظهر الإسلام. بيروت، بدون تاريخ. الجزء الثاني، صفحة 292 - 293. وانظر أيضاً هنري فلايش، Traité de philologie arabe . المطبعة الكاثوليكية. بيروت، 1916. صفحة 25 - 26.

[3] انظر: Merx, Adalbertus, Historia artis grammaticae apud Syros. Leipzig, 1889.. طبعة سنة 1966.

[4] يزعم فؤاد حنا ترزي (انظر: أصول اللغة والنحو. دار الكتب، بيروت 1969. صفحة 112) أن تقسيم سيبويه الكلم إلى ثلاثة أقسام يوناني لأن أفلاطون قسم الموجودات إلى ذوات (= أسماء) وأحداث (= أفعال) ولأن أرسطو أضاف إليهما قسما ثالثا هو الروابط (= الحروف). فإذا كان الأمر كذلك، لماذا قسم اليونان ومن بعدهم الرومان ومن بعدهم جميع شعوب أوربا كلمهم إلى ثمانية أقسام؟!!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير