تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم إن ما جاء فى عبارات الفقهاء (انظر الهوامش السابقة) من إجازة الضرب ببعض الآلات دون بعض يبدو أن المنع فى بعضها إنما هو للآلات التى تدفع سامعها لفحش القول أو الرقص وليس لذات الآلات، كما يدل على هذا قول فقهاء (انظر الهوامش السابقة) الحنفية الذى سبق نقله، وما قال به الفقه الحنبلى والشافعى (انظر الهوامش السابقة) من انضمام المرحم أو المكروه كالتصفيق والرقص هو المحرم، وما قال به ابن العربى المالكى ولم يكن معه رفث.

لما كان ذلك وكانت القضية قد واجهها الفقه على هذا الوجه وتصدى لتحقيق النصوص فيها صاحب كتاب السماع (انظر الهوامش السابقة) وهو محمد بن طاهر ابن على بن أحمد بن أبى الحسن الشيبانى أبو الفضل المقدسى المعروف بابن القيسرانى من رجال الحديث وقال إنه لا فرق بين استماع القضيب وبين الأوتار إذ لم نجد فى إباحته وتحريمه أثرا لا صحيحا ولا سقيما، وإنما استباح المتقدمون اسماعه لأنه لم يرد الشرع بتحريمه فكان أصله الإباحة كما تصدى لذلك الشيخ عبد الغنى النابلسى الحنفى فى رسالته (انظر الهوامش السابقة) المنوه بها آنفا التى قرر فيها أن الأحاديث التى استدل بها القائلون بالتحريم على فرض صحتها مقيدة بذكر الملاهى وبذكر الخمر والقينات والفسوق والفجور ولا يكاد حديث يخلو من ذلك.

وهذا أيضا قول ابن حزم (انظر الهوامش السابقة) إن الأمر مرتبط بالنية.

فمن نوى ترويح نفسه وتنشيطها للطاعة فهو مطيع محسن، ومن لم ينو لا طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها وقعوده على باب داره متفرجا.

وأيضا قول الغزالى (انظر الهوامش السابقة) فيما نقله الشوكانى فى تفسير الحديث الشريف (كل هلو يلهو به المؤمن فهو باطل) لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم الفائدة، ومالا فائدة فيه من قسم المباح.

كما قال الشوكانى.

لما كان ذلك كان القول بالتحريم على وجه الإطلاق خاليا من السند الصحيح قال تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} النحل 116، والقول بأن تحريم سماع الموسيقى وتعلمها وحضورها من باب سد الذرائع أو من باب أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ليس مقبولا لأن الموسيقى وإن كان قد يصاحبها الخمر والرقص وغير هذا من المنكرات إلا أن هذا ليس الشأن فيها دائما، ومن ثم صار مثلها مثل الجلوس على الطريق.

ففى الحديث الشريف (شرح السنة للبغوى 3338/ 12) الذى أخرجه مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إياكم والجلوس بالطرقات فقالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها.

فقال فإذا أبينهم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه.

قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

ومن هذا نأخذ أن من المباحات ما يحرم إذا اقترن به محرم، وعندئذ تكون الحرمة طارئة، بمعنى أنها ليست حكما أصليا.

لما كان ذلك.

كان الوقوف عند الوسط (الموافقات للشاطبى ج - 4 ص 258 وما بعدها طبع المكتبة التجارية تحقيق المرحوم الشيخ عبد الله دراز) من الأقوال هو الأولى بالاتباع.

ومن ثم نميل إلى أن سماع الموسيقى وحضور مجالسها وتعلمها أيا كانت آلاتها من المباحات ما لم تكن محركة للغرائز باعثة على الهوى والغواية والغزل والمجون مقترنة بالخمر والرقص والفسوق والفجور، أو اتخذت وسيلة للمحرمات أو أوقعت فى المنكرات أو ألهت عن الواجبات، كما جاء فى تبويب (ارشاد السارى ج - 2 ص 171 على هامشه صحيح مسلم) البخارى فإنها فى هذه الحالات تكون حراما كالجلوس على الطريق دون حفظ حقوقه التى بينها ذلك الحديث الشريف لأن الحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله (أعلام الموقعين لابن القيم ج - 1 ص 32) قال جل شأنه {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون.

قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} الأعراف 32، 33، قال ابن العربى (أحكام القرآن ج - 2 ص 782) من معانى (زينة الله) جمال الدنيا فى ثيابها وحسن النظرة فى ملابسها وملذاتها قال تعالى {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الأعراف 157، قال الشوكانى (نيل الأوطار ج - 8 ص 105) الطيبات فى الآية تشمل كل طيب، والطيب يطلق بإيذاء المستلذ، وهو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن ويطلق بإزاء الظاهر والحلال وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام، فتدخل أفراد المعانى الثلاثة كلها ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادر وهو الظاهر.

وقد صرح ابن عبد السلام فى دلائل الأحكام أن المراد فى الآية بالطيبات المستلذات.

والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير